- الخراز: حب الوطن يترجم إلى سلوك إيجابي تجاهه من حيث خدمته والدفاع عنه
- الشطي: على الأسرة والمؤسسات التربوية والإعلامية غرس قيمة حب الوطن في نفوس النشء
ونحن على مشارف عام هجري جديد، وفي رحاب ذكرى الهجرة النبوية التي يجب أن نضع أحداثها أمام بصائرنا للتفكر وللتذكر وأن نتأسى بها فينكشف لنا طريق الكرامة والعزة، فنستفيد من مواقفها الدروس والعبر، حيث تظهر فيها أخلاق ومبادئ ودروس في تاريخ المسلمين، من الدروس التي تؤكد الارتباط بالوطن وحبه والدفاع عن أرضه ومقدساته وتحقيق المواطنة.
يحدثنا د.خالد الخراز عن الهجرة النبوية ودعائم المواطنة المتمثلة بها فيقول: فطر الله سبحانه الإنسان على أمور عديدة منها حب المرء أهله وأولاده وأصحابه وماله، وكذلك وطنه الذي عاش فيه وترعرع في أكنافه، فحب الوطن غريزة متأصلة في النفوس تجعل المرء يستريح في البقاء فيه، ويحن إليه إذا سافر لو غاب عنه، ويدافع عنه إذا هوجم ويغضب اذا انتقص منه.
وأضاف: والمواطنة في حب الوطن الذي يترجم بشكل عفوي الى سلوك ايجابي تجاهه من حيث خدمته والدفاع عنه وقد كرست الهجرة النبوية هذا الشعور النبيل كما في حديث ابن عباس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة: «ما أطيبك من بلد، وأحبك إليّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك» رواه الترمذي (2926) وصححه الألباني.
هذا الخطاب لمكة بعد أن أخرجه أهلها منها ولولا إخراجهم إياه لبقي فيها، لذلك وعده رب العزة سبحانه وتعالى بالعودة إليها كما قال سبحانه: (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد).
وأكد د.الخراز أن حب الوطن غريزة في نفوس الناس جميعا يدافعون عنه وقد أحب الرسول الكريم المدينة بعد اسلام اهلها ولما اشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة قال: «هذه طابة وهذا أحد جبل يُحبنا ونُحبه» رواه البخاري، وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قدم من سفر فأبصر جدرات المدينة أوضع ناقته وإن كانت دابة حركها، قال الراوي: حركها من حبها. رواه البخاري وقال الحافظ بن حجر: وفي الحديث دلالة على فضل المدينة وعلى مشروعية حب الوطن والحنين إليه.
فالرسول صلى الله عليه وسلم برغم قسوة أهل مكة فإن ذلك لم ينقص من شعوره تجاهها لأنها مدينة يحبها الله فهو يحب مكة ثم لما هاجر الى المدينة واستوطن بها أحبها وألفها كما أحب مكة، بل كان يدعو أن يرزقه الله حبها كما في صحيح البخاري «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد» وكذلك هو محب للمدينة التي ناصرته ودافعت عن الدين العظيم الذي جاء به.
ولفت د.الخراز الى ان حب الوطن يتمثل في حب الخير للأمة والسعي فيما يصلحها وإبعاد اي خلاف او نزاع يراد تفريق كلمتها، ولا تخرج الهجرة عن هذه المعاني الكريمة، فإرادة الرسول الكريم الخير للأمة دفعته للهجرة من مكة، وفي نفس الإرادة جعلته يعود إليها متوجا بالنصر، وكذلك نصرة أهل المدينة للدين دفتعه الى حب المدينة وأهلها ولم ينقص ذلك من حبه لمكة وهي البلد الحرام، ان حب الرسول الكريم لمكة جعله يدعو اهلها للدين الحنيف وذلك لإرادة الخير لهم فهو أراد النفع لبلده وأهلها، ولم يستجيبوا فهاجر ليعود، وكذلك نصرة أهل المدينة له جعله يحب المدينة وأهلها ويحرص على غرس الايمان في قلوبهم وكذا نحن يجب علينا ان نحرص على وطننا من خلال ارادة الخير له ولأهله، وما الخير إلا التمسك بالدين الحنيف والعمل به، فالهجرة تؤكد حب الوطن والمواطنة الصالحة هي ارادة الخير للناس وتتمثل في سلوك المسلمين الايجابي وحبهم لدينهم وبلادهم.
وأكد د.الخراز ان للهجرة دروسا كثيرة منها: أن الحب الحقيقي للوطن هو تأصيل العقيدة الصحيحة بمفهوم سلف الأمة وترسيخها في الأجيال حينئذ ينشأ جيل يدعو الى خلو البلدان من مظاهر التفكير والبدع والمنكر، كما أن الحب الحقيقي للوطن هو نشر الفضيلة والعفاف والخيرية والوطنية الحقة عقيدة راسخة ومجتمع موحد وشعب متآلف وقيادة راشدة.
مصلحة الوطن
ويبين د.بسام الشطي أهم العبر من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: الهجرة النبوية حققت معاني عظيمة أن الله عزّ وجلّ جعل مخرجا إذا أحسن الظن بالله وبذل السبب، وعلم أن الفرج قادم، والهجرة بينت أن أرض الله واسعة ولا شك أن الأرض التي يولد فيها ويترعرع في ثناياها وأرض الآباء والأجداد وهي اسلامية تكون محببة الى قلبه ويشعر بدفئها وأنها جزء منه، ويعمل على ان يكون لبنة طيبة ومفتاحا للخير ومغلاقا للشر، ويدعو أن يجعلها الله دار أمن وأمان ويحميها بحمايته وأن يكون داعيا الى الوسطية وآمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر، ونتعاون على البر والتقوى ولا نتعاون على الاثم والعدوان وأن يكون كل منا خير سفير للإسلام وكما جاء في الأثر «كل على ثغر فلا يؤتى الإسلام من قبلك» وندعو الله ان يحفظ البلاد والعباد وولي الأمر من كل سوء وأن يعمل الكل بإخلاص وأمانة وصدق ويعمل بأسباب استقرار الدول وأن ينتزع فتيل الأزمات والفتن والفوضى ويبعد الجميع عن ثقافة الكراهية والعداوة والبغضاء، كما أرست الهجرة مبادئ المواطنة، وهذا ما عبرت عنه وثيقة المدينة التي تعرف بأول وثيقة عرفتها البشرية لحماية حقوق الإنسان، وقد قام صلى الله عليه وسلم بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وقد ضرب الجميع القدوة والمثل في الإيثار وحب أخيه، وهكذا ستظل دروس الهجرة المباركة باقية الى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ومن اهم هذه الدروس تعلم قيمة الانتماء ومحبة الأوطان، فحين شارف النبي صلى الله عليه وسلم على الخروج من مكة المكرمة في طريقه مهاجرا الى المدينة المنورة، نظر اليها وفي عينيه دموع المفارق الحبيب وقال بكلمات حانية: والله إني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلى الله وأحب البلاد إلى قلبي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت، وهذا يدلنا على مدى شدة الانتماء لوطنه مكة على الرغم من انه قوبل بعنت وأذى شديدين من أهلها.
وهذا الدرس يعلمنا من هذا الموقف التذكير بضرورة اجاد العلاقة الروحية والانتمائية والنفسية بالمكان الذي ولد وتربى ونشأ فيه الإنسان، وقيمة الحب والانتماء للوطن تقتضي على الإنسان أن يكون حاميا ومحبا ومدافعا عنه ومفتديا له بكل غال ونفيس، ومجاهدا وعاملا بكل ما في استطاعته وقدرته المحافظة على كل ما فيه من مقدسات وتقديم مصلحة الوطن على المصالح الخاصة حتى يتحقق لهذا الوطن التقدم والإخاء والتنمية لجميع أبنائه، موضحا انه يجب على الأسرة أولا والمؤسسات التربوية والإعلامية ان تغرس قيمة حب الوطن والانتماء له في نفوس النشء حتى يتربوا منذ الصغر عليها وتكون ملازمة له في شبابه فلا يقع فريسة لأفكار تنحرف به عن المسار الصحيح.