بعد النجاح الهائل لفيلم (Top Gun: Maverick)، يعود توم كروز البالغ من العمر 60 عاما لإنقاذ أفلام الصيف الضخمة مرة أخرى.
يعتبر (Dead Reckoning Part One) سابع فيلم في سلسلة ( Mission: Impossible) والأول من خاتمة موزعة على جزئين، وهو يركز على مخاطر الذكاء الاصطناعي بالإضافة إلى تقديم الكثير من الاكشن الذي لا يتباطأ أبـدا. قد لا يكـــون أفضــل فيلـــم: (Mission Impossible)، لكنه بسهولة الأكثر طرافة، والمنافس الأكبر للحصول على لقب أكثر الأفلام ترفيها بالسلسلة بفضل الطريقة التي يتمكن بها من تنفيذ التصعيد الكوميدي فيه الذي يعيق أحيانا أفلام الصيف الأخرى (نحن نتحدث عنك يا Fast X). ينجح المخرج والمؤلف كريستوفر ماكواري بأخذنا في رحلة مليئة بالمنعطفات التي تتضمن بعض أكثر المشاهد دقة وإيقاعا وإثارة في تاريخ السلسلة.
لطالمــا كانــت السلسلة حتى آخــر أجــزائهــا: (Mission: Impossible – Fallout) تعمل بشكل منفرد، لكن (Dead Reckoning Part One) يعود إلى الماضي على جبهات عديدة. تمثل عودة شخصية يوجين كيتريدج (هنري زيرني) من الفيلم الأول عودة الى جذور السلسلة أكثر من كونه ضيف شرف، وذلك أمر مرحب به في صيف يعج بالأفلام المليئة بالحنين الفارغ إلى الماضي مع أفلام مثل (The Flash وفيلم Indiana Jones) الجديد. إن اضطرار إيثان هانت (كروز) للانشقاق في (Dead Reckoning) هو نتيجة مباشرة للشخصيات والأحداث التي شهدناها في فيلم (Mission: Impossible) الأصلي من إخراج برايان دي بالما، مما يؤدي إلى سيناريو حيث لا يمكن الوثوق بتسليم حكومة هانت نفسها عنصر الحبكة الأساسي الخطير بالفيلم، وهو خوارزمية ذكية يطلق عليها اسم (Entity).
يبدو جليا من المشهد الافتتاحي المثير على متن غواصة روسية، أن خوارزمية (Entity) تكاد تكون خارقة للطبيعة، لكنها في نهاية المطاف ترتكز على أرقام الواحد والصفر التي تهيمن على جميع أشكال الحياة العصرية. سرعان ما يصبح كل جدار بنته البشرية نقطة ضعف، مما يرغم هانت على الخروج من الظلال خشية وقوع (Entity) في الأيدي الخطأ، وهذا يعني أيدي أي فرد أو وكالة. يعاود ظهوره من جديد وهو مثقل بالهموم ويحمل تصميما كبيرا في داخله، حيث ان إنقاذ العالم شيء يجب أن يفعله، لكن مع وصوله إلى هذه المرحلة من حياته المهنية كجاسوس محترف فإنه شيء يريد أن يفعله أيضا.
ربما هذا هو الشيء الوحيد الذي لايزال قادرا على فعله بعد الآن، وهو أمر يعبر عنه كروز بهدوء وسط حوارات الفيلم (حتى أن ماكواري يركز على بعض اللقطات المائلة القريبة على وجه دي بالما لتعزيز مستوى الشدة والتوتر للقطاته المقربة). قد يكون كروز ممثلا لم يحصل على التقدير الذي يستحق، لكن عمله يصبح أكثر سهولة هنا بعض الشيء نظرا لأن مضمون الفيلم يتماشى بشكل وثيق مع معتقداته الرافضة للبث كممثل ومنتج. لا يمر الكثير من الوقت قبل أن يحصل المرء على انطباع أن كروز صنع (Dead Reckoning) مع هدف الحفاظ على سينما الاكشن الكلاسيكية على الشاشة الكبيرة، وبالطبع لأنه يستمتع بالجنون المطلق لتأدية المجازفات العملية الخطيرة، وذلك في عصر أصبح فيه الذكاء الاصطناعي والخوارزميات يشكلان تهديدا وجوديا للفن نفسه.
يعود الفريق بأكمله للفيلم بداية من لوثر ستيكل (فينغ ريمز)، إلى بينجي دان (سايمون بيغ)، ووصولا إلى إلسا فاوست (ريبيكا فيرغسون)، والتي تعتبر الفتاة الوحيدة المناسبة ليهتم هانت لأمرها لأن نمط حياتهما متشابه. لكن هذا الفريق القوي هو في نفس الوقت نقطة ضعف بطلنا، فبعدما شهد فريقه بأكمله يتعرض لإطلاق النار في الفيلم الأول، لطالما أصبح ممزقا بين إكمال المهمة في متناول اليد وضمان سلامة أصدقائه. قد يكون التقى هذه المرة نده: خوارزمية (Entity)، حيث انها آلة لا تفكر ولا تشعر ويتعارض نهجها المنطقي مع تعاطف هانت، وقد وجدت لنفسها تجسيدا بشريا يقوم بأعمالها، وهو الإرهابي غابرييل (إيساي موراليس)، شبح من ماضي هانت.
قـد يكــون غابرييـــل إضافـــة جديـــدة إلى طاقــم ممثلي (Mission: Impossible)، لكن بفضل بعض لقطات الفلاشباك في المكان المناسب، والأداء البارد والمرعب لموراليس، فهو يبدو كأنه كان يتربص دائما في الظل منتظرا. ونظرا لأنه يلعب دور مرسال لذكاء اصطناعي قادر على الوصول إلى أي معلومات وحتى التلاعب بطبيعة الحقيقة، يصبح غابرييل شخصا يصعب قهره. تحمل الحبكة تشابها كبيرا مع الموسم الثالث من (Westworld) الذي تمكن الذكاء الاصطناعى (Rehoboam) الذي يعرف كل شيء من السيطرة بشكل مشابه من خلال النماذج التنبؤية الدقيقة، لكن في حالة (Dead Reckoning) الحبكة تتقدم إلى الأمام بسرعة خاطفة بدلا من التباطؤ للتفكير في الآثار المترتبة الأكبر. وبدلا من ذلك تظهر هذه العواقب من خلال مشاهد الأكشن والمطاردات المبتكرة، حيث يتسبب تدخل (Entity) بما يجري في تعقيدات لمهمات كانت ستنفذ بشكل أبسط بكثير لولا ذلك.
لطالما اعتمدت قوة المهمة المستحيلة (التي تختصر بـ IMF) على تقنيات التجسس الخيالية خاصتها، مثل الأقنعة الشهيرة، لكن هذه المرة تنقلب أدواتهم ضدهم من خلال قوة رقمية قادرة على التلاعب بكل شيء يرونه ويسمعونه، مما يضفي شعورا مستمرا بالتشكيك طوال الوقت في ( Dead Reckoning) الممتد على 163 دقيقة. (إن الإخراج يجعل أطول فيلم (Mission: Impossible) يبدو سريعا بشكل ملحوظ)، وبعد فترة تجد الشخصيات نفسها غير قادرة على الوثوق بحواسها حتى. لكن ما يمكنهم الوثوق به، وما يثق به الجمهور أيضا بعد ما يقرب من 30 عاما للسلسلة هو الاكشن الملموس والحركة المندفعة. لم يعد بإمكان دان الجلوس ببساطة خلف جهاز كمبيوتر لجعل مهمة هانت أسهل. الآن، مع وجود فيلم واحد آخر (على الرغم من أن الخطط تبدو وكأنها قد تتغير)، فإن كل شخصية مساعدة يجب أن تنضم إلى المطاردة.
هنا تأتي الوافدة الجديدة غريس (هايلي أتويل): وهي لصة تم تجنيدها لسرقة مفتاح سري من بعض الأثرياء والأقوياء، والتي ليست لديها أي فكرة إلى أي درجة هي متورطة حتى تلتقي هانت. يضم كل مشهد تقريبا صداما بين عدة أطراف لديهم مصالحهم الخاصة، بمن في ذلك غابرييل ومساعدته باريس (بوم كليمنتيف)، والأرملة البيضاء العائدة (فانيسا كيربي) وطاقمها من تجار الأسلحة، وبعض العملاء الأمريكيين ذوي النوايا الحسنة (غريغ تارزان ديفيس وشيا ويغام). ومع ذلك لا تصبح الحبكة غامرة أكثر من اللازم، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى فكرة أن كل شيء نراه ربما تم تنسيقه بواسطة (Entity). ويستخدم الفيلم هذا كمبرر للأشياء التي تحدث بشكل ملائم جدا بالقصة، لكن ينجح ذلك أيضا بفضل إخراج ماكواري المدروس الذي يتماشى مع ولع المحرر إيدي هاملتون (الذي عمل على Maverick) ببناء التوتر والإثارة من خلال لقطات رد الفعل وحدها. بغض النظر عن السيناريو، فإن المعلومات اللوجيستية لا تضيع والوضوح العاطفي موجود دائما (بل حتى تم تحسين ذلك بفضل الموسيقى التصويرية النابضة بالحياة من لورن بالفي).
يجلب كل فيلم (Mission: Impossible) معه توقعات برؤية نطاق أعظم وأكبر للمشاهد على الشاشة، لكن غريس تضفي واقعية على الفيلم بطرق مرحة. فهي نشالة ماهرة، لكن بالمقارنة بالعملاء المدربين تدريبا عاليا من حولها فهي تعتبر مدنية، وبالتالي ليتمكن هانت من حمايتها من الرصاص والعربات المدرعة عليه التخلي إلى حد كبير عن الأساليب الاحترافية في حل المشاكل ومواجهة الأمور، مما يرغمه على البحث عن حلول أكثر واقعية وقابلة للتحقيق. كما أن وجود مرافق بشري عادي إلى جانبه يضفي عليه طابعا إنسانيا بدوره، مما يؤدي إلى مشهد مطاردة سيارات ممتد مع تصميم صوت مذهل، وهو مشهد يعتمد على الذكاء والارتجال أكثر من مهارات كروز الخارقة.
في (Mission: Impossible – Rogue Nation)، رئيس هانت (الذي يلعب دوره أليك بالدوين) وصفه بأنه «التجسيد الحي للقدر». وهنا تشير إليه إحدى الشخصيات على أنه «تجسيد للفوضى»، وهو مفهوم لم يظهره ماكوري بوضوح على الشاشة. تضفي المعارك بالأيدي شعور رهاب الأماكن الضيقة وعدم قابلية تنبؤها، لكن جغرافية الصورة ومعناها لا يتم حجبهما أبدا، حتى أثناء مشاهد الآكشن الأكثر سرعة. ومع ذلك فإن الطريقة التي يدمج بها الفيلم بأثر رجعي هذه الفكرة الفوضوية في ماضي هانت هي أحد عيوبه الرئيسية. إنه يركز على فكرة أن الأشخاص الموجودين في محيطه، خاصة النساء، معرضون للخطر إلى الأبد.