بيروت - عمر حبنجر
أعاد الجيش اللبناني فتح الطريق الدولية المؤدية إلى محافظة البقاع ومن ثم سورية والبلاد العربية صباح أمس، والتي كان أهالي بلدة «الكحالة»، الواقعة إلى الغرب من مدينة «عاليه»، في جبل لبنان أغلقوها مساء الأربعاء، إثر تدهور شاحنة مدنية تنقل سلاحا وذخائر لحزب الله باتجاه الضاحية الجنوبية للعاصمة. واستؤنفت حركة السير، بينما بقي الغضب مسيطرا على أهالي البلدة التي لطالما شكلت محورا، في سياق الأزمات اللبنانية المتعددة، بحكم موقعها الجغرافي والمنعطفات الحادة للطريق الدولي الذي يمر بها. فـ «كوع الكحالة» اشهر من ان يعرف، كمنعطف خطر بالنسبة للسيارات وتحديدا الشاحنات المتجهة نزولا إلى بيروت او صعودا الى البقاع.
لكن الارتدادات السياسية لحادث انقلاب الشاحنة لم تهدأ تبعا لسقوط قتيلين في إطلاق النار الذي حصل وهما فادي بجاني، أحد أبناء بلدة الكحالة، وأحمد قصاص الذي كان ضمن الفريق المواكب لشاحنة السلاح.
وهرع جيران «الكوع» لإنقاذ السائق، كعادتهم في مثل هذه الحالات، وبينهم فادي بجاني الذي يقع منزله على الكوع مباشرة، وباقترابهم من الشاحنة تصدى لهم مسلحون مدنيون مواكبون لها وحصل تدافع تطور الى إطلاق الرصاص ومقتل الرجلين.
وسريعا تدخل الجيش اللبناني لمنع تفاقم الوضع، خصوصا بعد وصول عناصر إضافية من «حزب الله» الى المكان، وشكل حاجزا بين الطرفين، وتمكن الجيش من تفريغ حمولة الشاحنة ونقلها إلى أحد المراكز العسكرية، دون ان يسمح لأحد بمعرفة ما بداخلها، الأمر الذي أثار حفيظة الأهالي الذين أصروا على معرفة محتويات هذه الصناديق، وقرعوا وأجراس الكنائس لاستنفار الناس، وهنا حصل تدافع مع الجيش إلا ان القيادة التي كانت على تواصل مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اعتمدت المرونة في مواجهة الأمر، وإن اضطر بعض الجنود إلى إطلاق الرصاص في الهواء لمنع وصول الجمهور إلى حمولة الشاحنة.
وأعلن الجيش أمس مصادرة حمولة الذخائر وفتح تحقيق «بإشراف القضاء المختص» حول «الإشكال».
من جهته، «حزب الله» اتهم الميليشيات المسيطرة في الكحالة دون ان يسمي «القوات اللبنانية» أو حزب «الكتائب»، بالمبادرة إلى استخدام السلاح وبالتالي قتل عنصره. أما أهالي الكحالة فأوجزوا ما حصل في بيان جاء فيه انه: على اثر وقوع شاحنة محملة بأسلحة، وبمواكبة أمنية مريبة من مسلحين، وبعد تدخل شباب الكحالة لنجدة سائق الشاحنة، كما جرت العادة عندهم، أقدم مسلحون على إطلاق نار بشكل مباشر على الأهالي، ما أدى إلى استشهاد الشاب فادي يوسف البجاني، عندها تجمع أهالي البلدة عند «كوع الكحالة»، مطالبين بكشف الفاعلين واعتقالهم وإلا لن تفتح هذا الطريق.
واللافت صدور بيان بنعي فادي بجاني عن رئيس حزب «الوعد» جو إيلي حبيقة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قائلا: «صرت مع حبايب قلبك يا غالي، الله يرحم رجال الفعل، ما بقى في إلا كتيرين الحكي»، مع الإشارة الى ان حزب «الوعد» يعد من فريق «الممانعة» الذي يقوده «حزب الله».
النائب نزيه متى انضم إلى أهالي «الكحالة» مستنكرا مقتل احد أبنائها «بنار الدويلة»، أما النائب مارك ضو فقد رأى في بيان الحزب «فبركة وتضليلا»، مسجلا على النائب العام العسكري عدم تدخله في هذه الجريمة ونقل السلاح المصادر إلى المكان الذي يريده الحزب كما لو انها عامل «دليفري».
وقد ذهب النائب غياث يزبك، عضو الكتلة النيابية للقوات اللبنانية، الى اعتبار حادث الكحالة امتحانا للجيش، داعيا إلى منع توظيف الحادث في الامتحان الرئاسي لقائد الجيش العماد جوزاف عون.
في المقابل، ذكرت المصادر المتابعة من يعنيهم الأمر ان البيان الوزاري لحكومة نجيب ميقاتي وسابقاتها، نص على ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة» التي يصر عليها «حزب الله»، لذلك فمن الناحية السياسية، السلاح الذي تدهورت به الشاحنة في الكحالة هو سلاح المقاومة التي ورد ذكرها في البيانات الوزارية، اي جزء من السياسة العامة للدولة، ولا يمكن مطالبة الجيش والقوى الأمنية مخالفة هذه السياسة العامة للحكومة والدول، بمعزل عن ارتدادات ذلك على الاستحقاق الرئاسي ونهائيته.
وتقول «القوات اللبنانية»، في تقريرها اليومي، ان ما حصل في بلدة عين ابل الجنوبية، من حيث خطف وقتل المسؤول السابق في «القوات» إلياس الحصروني، الأسبوع الماضي، وفي الكحالة أخيرا، يؤكد ان دور القوات الدولية في الجنوب «اليونيفيل» لا يختلف عن دور قوات الأمن اللبنانية، أي «شاهد ما شافش حاجة».
والراهن ان مقتل الحصروني في الجنوب ساهم في تأجيج انفعالات الأهالي في الكحالة ضد «حزب الله» وضد السلطات اللبنانية المتخاذلة.