بيروت - اتحاد درويش
رأت الباحثة في القوانين المصرفية والمالية د. سابين الكك أن ما كشفه تقرير التدقيق المالي الجنائي في حسابات مصرف لبنان الذي أعدته شركة «الفاريز أند مارشال» وهو تقرير مبدئي غير نهائي، يعتبر جريمة مالية وواحدة من أكبر الجرائم في العصر الحديث. وما أورده التقرير يجب أن يضع حدا فاصلا بين نظرية عفا الله عما مضى، ونظرية ألا تكون هنالك خطة اقتصادية من دون محاسبة أو مساءلة بعد الحقائق التي تكشفت عن أبواب الهدر الكثيرة والمتعددة وحجم المال المنهوب في بلد يعاني انهيارا ماليا ونقديا.
وأشارت د.الكك في تصريح لـ «الأنباء» إلى أن لبنان لم يقع في أزمته المالية والنقدية بالصدفة، بل عن طريق مخطط إجرامي جنائي على كافة المستويات، وهذا ما بينه التقرير لناحية الأداء المالي للمصرف المركزي، حيث كانت سلطة الحاكم السابق رياض سلامة لا حدود لها كما أشار التقرير، أي أنه كان الناظم والدينامو الأساسي لعملية الإفلاس الاحتيالي الذي حصل، وهو ليس إفلاسا عاديا للمؤسسة النقدية الأولى في لبنان، بل هو جريمة لا يقوم بها شخص وحده، وتسمى جريمة ذوي الياقات البيضاء، وهو مصطلح معروف على مستوى العالم، وعلى مستوى الجرائم المافياوية التي تحصل في كل البلدان التي تقوم بها مجموعات ومؤسسات. ولفتت د.الكك إلى أن التقرير أشار الى أن المصرف المركزي برئاسة سلامة راكم عجزا في احتياطه بلغ 50.7 مليار دولار عام 2020، بعد أن كان يملك فائضا بقيمة 7.2 مليارات دولار عام 2015. وهي عبارة عن تراكم خسائر، نتيجة سياسات حملت مخاطر عالية قام بها المصرف المركزي على المستويات النقدية والمالية.
وتوقفت د.الكك عند الأرقام التي أوردها التقرير والتي بلغت بالملايين استفادت منها شخصيات وجمعيات ومؤسسات، علما أن هنالك أسماء أخرى امتنع سلامة في الإفصاح عنها وأوردتها شركة التدقيق في مجموعة خاصة، وقالت إن هذه الأرقام صرفت إنما لم نتمكن من معرفة كيف صرفت ولمن. لكن الأهم والأساس كانت عملية الهندسات المالية التي بدأت في 2015 والتي قدرت كلفتها بنحو 115 تريليون ليرة في نهاية 2020، جرى فيها رفع الفوائد من أجل استقطاب الودائع بالدولار وتحويلها الى أصول داخلية.
وأشارت د.الكك أن التقرير المالي الجنائي في حسابات مصرف لبنان لا يفترض أن تكون نهاية مرحلة، بل بداية مرحلة المحاسبة والمساءلة، وهو أشار الى أن الكثير من عمليات التحويل كانت تشطب عنها الأسماء، وبالتالي لم يتمكنوا من الوصول الى الكثير من المعلومات، وهو غير كامل ومتكامل.
ودعت الى وضع التقرير في حالة طوارئ مالية وقضائية وحقوقية، وأن تتفعل كل أجهزة الدولة القضائية والسياسية والمالية لمواكبته بالتفصيل، وأن تستكمل كل المعلومات الناقصة وتباشر الملاحقات المطلوبة. وأشارت الى أن هناك أشخاصا متورطين، وإذا أردنا أن نعدد ما يمكن أن يستنتج من شبهات جنائية في التقرير نبدأ من تبديد المال العام واختلاس أموال عامة وصولا الى الإثراء غير المشروع وفساد وتبييض أموال وإفلاس احتيالي، وهذه كلها ارتكابات وشبهات لا تتعلق فقط بالحاكم السابق لمصرف لبنان بل بكل من استفاد وكان من المنتفعين.