إن طــهــارة القلــب ونقـــاء السريرة من أشرف الخصال التي تقرب صاحبها من الله ورسوله، كما أنها من موجبات الأجر والثواب، فهذه الشريعة الغراء جاءت به لأجل حفظ سلامة الصدور ولأجل ان تبقى العلاقة بين المؤمنين على احسن ما يكون، وقد وعد ربنا عزّ وجلّ في قرآنه ان يُدخل الجنة ذوي القلب السليم الخالي من أدران الحقد والضغينة، فقال عزّ وجلّ: (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم - الشعراء: 88-89).
من أجل هذا كتب الله على أهل الجنة ألا يدخلوها إلا بعد ان تنقى قلوبهم وتسلم صدورهم من التعكر والغل (ونزعنا ما في صدورهم من غل - الأعراف: 43) فهذه الجنة لا مجال فيها للأحقاد ولا يدخلها إلا صاحب قلب سليم.
الأمر الثاني هو الكلمة الطيبة، بعض الناس من شدة ما اعتاد الفحش من القول، اصبحت الكلمة الطيبة ثقيلة على لسانه، لكن طاهر القلب تجد الله يجري الكلام الطيب على لسانه دون ان يتكلفه، ونحن مأمورون بنص القرآن بانتقاء احسن العبارات والألفاظ في تعاملاتنا مع الناس (وقولوا للناس حسنا - البقرة: 83).
من مطهرات القلوب كذلك البشاشة والطلاقة والابتسام، فهذا سبب ربما لا يراه بعض الناس له تأثير، لكن الواقع غير ذلك، فكم من إنسان وقعت في قلبك محبته وأنت لا تعرفه وربما التقيته مرة واحدة، لما ترى منه البشاشة وحسن اللقيا، هذا امر عظيم يجمع القلوب لا ينبغي التقليل من اهميته، ولا يقل عنه اهمية انشراح الصدر لتقبل النصيحة، وشكر الناصح، وإقالة العثرات، والتجاوز عن الزلات، والتسامح وقبول اعتذار المخطئ.
من مطهرات القلوب كذلك ان يبعد الإنسان نفسه عن مواطن الريبة وعن التصرفات التي تضعه في دائرة الشك في نظر الناس، والبعد كذلك عن الحسد، رغم ان الحسد في رأي بعض العلماء لا يسلم منه كثير من الناس، قيل: «ما خلا جسد من حسد، لكن الكريم يخفيه، واللئيم يبديه».
ولا طريقة لدفع الحسد اعظم من الدعاء للمحسود، اذا وقع في قلبك حسد لأحد، ادع له في سجودك وثق ان الله سيزيل هذا الحسد من قلبك، والقضية هنا ليست فقط تتعلق بدفع الحسد، وإنما ايضا هي قضية علاج نفسي، تطهير وتنقية للقلب.
ومن أعظم وأجلّ الأسباب التي تطهر قلب المؤمن: محبة الخير للمسلمين، ذلك الشعور الأخوي النبيل الذي ينبغي ان تبنى عليه العلاقات بين الناس، اما ان يستأثر المرء بالخير لنفسه او لعائلته او لمحيطه الذي حوله ولا يبالي بما حصل للمسلمين من مصائب وكرب وهموم لا شك ان هذا ينافي حقيقة الاخوة الايمانية التي يجب ان يحرص عليها الإنسان.