تداعت الأحداث على نحو دراماتيكي في جمهورية الغابون بإعلان العسكريين انقلابا على الرئيس علي بونغو أونديمبا ووضعه «قيد الإقامة الجبرية» مع عائلته وأطبائه، وتوقيف أحد أبنائه بتهمة «الخيانة العظمى»، وذلك قبل أن يعلن الانقلابيون إحالة بونغو للتقاعد.
وفي وقت لاحق، اختار قادة الانقلاب رئيس الحرس الجمهوري الجنرال بريس أوليغي نغيما قائدا للمرحلة الانتقالية الذي قال فوقت سابق لصحيفة «لوموند» الفرنسية ان الرئيس علي بونغو قد «أحيل إلى التقاعد».
وهذا هو الانقلاب العسكري الثاني في أفريقيا في غضون 5 أسابيع والثامن خلال ٣ سنوات. وقال أحد العسكريين، وهو كولونيل في الجيش في بيان عبر التلفزيون الرسمي: «نحن قوات الدفاع والأمن المجتمعة ضمن لجنة المرحلة الانتقالية وإعادة المؤسسات، قررنا باسم الشعب الغابوني الدفاع عن السلام من خلال إنهاء النظام القائم».
وأوضح «لهذه الغاية ألغيت الانتخابات العامة التي جرت في 26 أغسطس 2023 فضلا عن نتائجها».
وتابع: «تم توقيف كل من نور الدين بونغو فالنتان ابن الرئيس ومستشاره المقرب، وإيان غيزلان نغولو رئيس مكتب بونغو، ومحمد علي ساليو نائب رئيس مكتبه، وعبدالحسيني وهو مستشار آخر للرئاسة، وجيسيي إيلا إيكوغا وهو مستشار خاص وناطق رسمي باسم الرئاسة، بالإضافة إلى أهم رجلين في الحزب الديموقراطي الغابوني القوي الذي يتزعمه بونغو».
وأوضح البيان العسكري أن هؤلاء جميعا أوقفوا بتهم «الخيانة العظمى ضد مؤسسات الدولة واختلاس أموال عامة على نطاق واسع واختلاس مالي دولي ضمن عصابة منظمة والتزوير وتزوير توقيع رئيس الجمهورية والفساد والاتجار بالمخدرات». ورأى العسكريون أن تنظيم الانتخابات «لم يحترم شروط اقتراع يتمتع بالشفافية والمصداقية ويشمل الجميع كما كان يأمل الشعب الغابوني»، منددين بـ «حوكمة غير مسؤولة تتمثل بتدهور متواصل للحمة الاجتماعية، ما قد يدفع البلاد إلى الفوضى».
وأعلنوا في البيان «حل كل المؤسسات، الحكومة ومجلس الشيوخ والجمعية الوطنية والمحكمة الدستورية. ندعو المواطنين إلى الهدوء ونجدد تمسكنا باحترام التزامات الغابون حيال الأسرة الدولية»، مؤكدا «إغلاق حدود البلاد حتى إشعار آخر».
ومن بين العسكريين الذين أعلنوا الانقلاب عناصر من الحرس الجمهوري المنوط به حماية الرئاسة فضلا عن جنود من الجيش وعناصر من الشرطة. والضباط الـ 4 الكبار هم اثنان من الحرس الجمهوري واثنان من الجيش.
من جهته، دعا الرئيس علي بونغو «جميع الأصدقاء» إلى «رفع أصواتهم»، وذلك في مقطع فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال بونغو في الفيديو الذي ظهر فيه جالسا على كرسي وتبدو عليه ملامح القلق «أنا علي بونغو أونديمبا، رئيس الغابون أوجه رسالة إلى جميع أصدقائنا في كل أنحاء العالم لأطلب منهم أن يرفعوا أصواتهم بشأن الأشخاص الذين اعتقلوني وعائلتي»، مؤكدا أنه في «منزله».
وأضاف: «ابني في مكان وزوجتي في مكان آخر، وأنا في منزلي ولا يحدث شيء، لا أعرف ما يحدث. أطلب منكم رفع أصواتكم». وانتخب بونغو البالغ 64 عاما في عام 2009 بعد وفاة والده عمر بونغو اونديمبا الذي حكم هذا البلد الصغير الواقع في وسط أفريقيا والغني بالنفط لأكثر من 41 عاما.
وكان علي بونغو مرشحا لولاية ثالثة خفضت من 7 إلى 5 سنوات في انتخابات السبت الماضي التي شملت 3 اقتراعات رئاسية وتشريعية وبلدية كلها بدورة واحدة.
وخاض 14 مرشحا السباق الرئاسي يتقدمهم بونغو، ومنافسه الرئيسي ألبرت أوندو أوسا الذي توحدت خلفه أحزاب المعارضة في البلد الصغير الغني بالنفط والواقع بوسط أفريقيا. واتهمت المعارضة معسكر بونغو بارتكاب عمليات تزوير ومخالفات قبل إغلاق مراكز الاقتراع، مطالبة بإعلان أوندو أوسا فائزا في الانتخابات.
وعلى صعيد ردود الأفعال الخارجية، أدان الاتحاد الافريقي الانقلاب في الجابون بشدة وحذرت نيجيريا من تفشي الاستبداد في القارة.
وأعرب مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عن قلقه، وقال: ما يحدث في غرب أفريقيا مشكلة كبيرة لأوروبا وسيزيد من عدم الاستقرار في المنطقة بأكملها.
وأعلن الناطق باسم الحكومة الفرنسية أوليفييه فيران أن باريس «تدين الانقلاب العسكري الجاري حاليا» في الغابون، مشيرا الى أن فرنسا «تراقب بانتباه شديد تطورات الوضع». وقال فيران خلال مؤتمر صحافي في ختام اجتماع مجلس الوزراء، إن باريس «تؤكد مجددا رغبتها في ان يتم احترام نتيجة الانتخابات حينما تعرف».
من جهتها، دعت الصين «الأطراف المعنية» في الغابون إلى «ضمان أمن» الرئيس علي بونغو. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية وانغ وينبين لصحافيين «تتابع الصين عن كثب تطورات الوضع في الغابون وتدعو الأطراف المعنية إلى العمل لصالح الشعب الغابوني والعودة فورا إلى النظام وضمان الأمن الشخصي لعلي بونغو». بدوره، قال الناطق باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف، إن «الوضع في الغابون يثير قلقا شديدا» و«نحن نراقب ما يحصل عن كثب».