دفعت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة العديد من السوريين إلى ممارسة أكثر من عمل والدوام لدى أكثر من جهة حتى لو كان ذلك على حساب الصحة الجسدية والنفسية.
وتقول «ديالا» الأم لثلاثة أطفال إنها «وبعد عودتها من وظيفتها الصباحية تتسلم عملها في محل لبيع النظارات الطبية من الساعة الرابعة عصرا حتى الحادية عشرة ليلا مقابل 200 ألف ل.س شهريا، بسبب «الظروف المعيشية الصعبة وارتفاع الأسعار».
أما «صباح» التي تعود من المشفى الذي تعمل به صباحا لتعمل ضمن عيادة الطبيب من الساعة الخامسة عصرا حتى التاسعة والنصف، مقابل 150 ألف شهريا مضطرة لأن دخلها من المشفى بالكاد يكفيها لمدة أسبوع، على الرغم من أنها غير متزوجة.
بينما «لينا» فتعمل في محل بياضات بعد عودتها من عملها، موضحة أن أولادها في الجامعة وكلهم بحاجة مصروف يومي ليس بقليل.
ويعمل الشاب «أمجد» مصمم غرافيك في مكتب إعلاني لمدة 8 ساعات يوميا وبعدها من منزله يأخذ طلبات تصاميم، وذلك يساعده لتأمين مصروفه الشهري إضافة إلى أنه ينوي الزواج عما قريب وهذا يتطلب منه العمل لساعات إضافية لتأمين متطلبات العرس والمنزل.
وكشف الخبير الاقتصادي والدكتور في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق د.محمد كوسا أن هناك نسبة كبيرة من الموظفين، رجالا ونساء، تلجأ إلى العمل الإضافي بعد الدوام الأساسي لزيادة الدخل، وقد يعمل البعض أكثر من 14 ساعة في اليوم لتأمين احتياجاتهم المادية، حيث يعتبرون أن العمل الإضافي هو الخيار الأمثل لزيادة الدخل. وقال بحسب ما نقل عنه موقع «أثر» إن العمل الثاني أو ما يطلق عليه (الوردية الثانية) هي البوابة لتحصيل دخل ثان ولا نخطئ عندما نقول إن 14 أو 16 ساعة عمل لا تكفي أي مردود يحصل عليه أي شخص مهما كانت طبيعة العمل في ظل الارتفاع الكبير لكافة السلع والمواد الغذائية.
بدوره، لفت الخبير الاقتصادي علاء الأصفري إلى أن التضخم في سورية غير مسبوق، وبالتالي يحتاج الفرد إلى العمل في عملين أو ثلاثة لسد الحد الأدنى من احتياجاته، لافتا إلى أن «الأسرة السورية تحتاج من 2 حتى 2.5 مليون شهريا لسد احتياجاتها في حال كان البيت ملكا لصاحبه»، علما أن متوسط رواتب الموظفين في الدولة لا يتجاوز الـ250 الف ليرة حتى بعد الزيادة الاخيرة في المعاشات.
وأكد أن «أكثر من 90% من الشعب السوري يعيش تحت خط الفقر، وهي كارثة اجتماعية واقتصادية»، مشيرا إلى أنه لا عدالة بالرواتب في القطاعين العام والخاص ما يدفع الفرد للعمل صباحا ومساء ما يؤثر سلبا على صحته الجسدية.
وعن تأثير العمل المضاعف على الصحة النفسية والجسدية والاجتماعية، فبينت رئيسة الشعبة النقابية لنقابة المعلمين والمرشدة النفسية عفاف الهامس في تصريحها لذات الموقع، أن العمل بأكثر من مهنة يؤثر على إتقان العامل لعمله، وذلك بسبب زيادة الضغط والإرهاق النفسي، خاصة إذا ترافقت بمجهود جسدي. وأوضحت أن الضغط الاجتماعي قد يدفع الشباب للاستعانة بالطبيب النفسي واستخدام الأدوية المهدئة، مشيرة إلى أن الاعتماد على تلك الأدوية سيؤثر على الإنتاج وبالتالي سيؤثر على مختلف نواحي الحياة».