حدث ما تخوفنا منه منذ سنوات، وكتبنا نحذر من عواقب الخطاب العدائي والطائفي في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة، وأن لغة المصالح وثقافة الهيمنة والاستبداد لن تفلح أبدا وأن الخطاب الإنساني ولغة السلام هما الضمان الوحيد لاستمرار الأمن العالمي، وأن إشعال وقود الحرب أيسر بكثير من إيقافها، لأن هذا النوع من الصراع الإجرامي ليس له خطة أو حدود يمكن التوقف عندها ولكن فقط مزيدا من الضحايا الأبرياء وخاصة من النساء والأطفال والشيوخ والعجائز الذين أصبح قتلهم مجرد أرقام غير تقديرية على صفحات وشاشات وسائل الإعلام وأصبح الضمير الإنساني في حالة تبلد وجمود بعد أن فقد حرارة الإيمان بأهمية الحفاظ على الأرواح المقدسة وأبسط حقوق الإنسان في الأمن والعيش الكريم.
يقف العالم على مدار السنوات الماضية وهو يشاهد بصمت مخز ما تفعله آلة الحرب الصهيونية تجاه شعب يدافع عن أرضه ويدافع عن أعدل قضية تحرر وطني في العصر الحديث، يشاهد العالم يوميا قصف كل مقومات الحياة ودك المنازل فوق رؤوس قاطنيها الأبرياء ولا يحرك هذا العالم ساكنا أمام هذه الأشلاء المتطايرة لأطفال أبرياء في عمر الزهور كل جريمتهم في نظر المحتل أنهم ولدوا في هذه البقعة الجغرافية.
ورغم هذا الصمت السياسي والديبلوماسي المريب يبقى هناك أحرار في هذا العالم تشتعل في قلوبهم معاني الرحمة والإنسانية، حتى ان بعض أفراد الجالية اليهودية في أميركا (رابطة يهود ضد الصهيونية) قامت باقتحام الكونغرس مطالبين بوقف فوري لإطلاق النار ووقف جريمة الإبادة الجماعية في غزة، وهو دحض لمزاعم الغرب بأن اليهود يتم اضطهادهم ويستحقون التعاطف، وهو الذي رد عليه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بأن اليهود تم اضطهادهم في أوروبا وجاؤوا للشرق الأوسط وعاشوا واندمجوا مع جيرانهم من المسلمين والمسيحيين وكانوا جزءا من النسيج المجتمعي!
هذه المظاهرات من الشرفاء في أنحاء العالم تظهر بوضوح سقوط ورقة التوت عن هذا النظام الصهيوني المجرم الذي فقد صوابه وأضاع كل فرص السلام في الشرق الأوسط وأوصل المنطقة إلى نقطة اللاعودة.
والحقيقة أن هناك محاولات للعودة إلى السلام ووقف إطلاق النار، مثل استضافة المملكة العربية السعودية الشقيقة برعاية صاحب الجلالة والفخامة جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - مؤتمر لمنظمة دول مجلس التعاون الخليجي ورابطة الآسيان لبحث سبل التعاون في كافة المجالات، وقد ألقى صاحب السمو الملكي ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان كلمة عبر فيها عن غضبه وألمه وندد باستهداف المدنيين وقصف المستشفيات والبنية التحتية. وقد وافقه الرأي جميع المشاركين الكرام من قادة دول الخليج وجنوب شرق آسيا في البيان الختامي للمؤتمر بضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار وعدم استهداف المدنيين في الحروب وفقا لاتفاقية جنيف وضرورة إدخال المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء وعدم استهداف محطات الكهرباء والماء اللازمة لأسباب الحياة وقيام دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967 عاصمتها القدس الشرقية.
والمتابع جيدا لردود الأفعال العالمية على هذه الجرائم الصهيونية يدرك أن العالم أصبح يفرق بين الأديان التي تدعو إلى السلام وحرية العقيدة من جهة وبين الأنظمة والمنظمات المتطرفة التي تتخذ فكرها العدواني الإقصائي عن الدين ستارا لأعمالهم الإجرامية وأهدافهم الاستيطانية التوسعية على جثث الأبرياء، هذا النظام العالمي الجديد أصبح واضحا للجميع باستهداف الأبرياء وخاصة الأطفال إما بالقتل أو بنشر سمومهم الملوثة لفطرة الأطفال النقية، ونشر الإلحاد والفكر المادي البحت والقضاء على كل المعاني الإنسانية والقيم الأخلاقية التي هي مقاصد كل الأديان السماوية.
ولـــذلك يجــب علــى كــل أحـرار العالم أن يقفوا صفا واحدا ضد هذه الحرب الــشرسـة، كـل في موقعه، الجندي بسلاحه والكاتب بقلمه والسياسي بضميره والمواطن بانتمائه ورجال الدين المستنيرين بمواعظهم الإنسانية الراقية، الكل مسؤول أمام الله ونحن في امتحان وابتلاء يجب أن نتحمله ونتحمل مسؤولياتنا ولو بأضعف الإيمان، نسأل الله التوفيق والسداد وأن يعيننا على ما نحن فيه، ولله الأمر من قبل ومن بعد.