بعد شهور على مغادرته المستشفى بساق يمنى مبتورة، رأى محمد زنديق صورته تملأ صفحات الإنترنت في إطار حملة تضليل إعلامي تقلل من أهمية الفظائع المرتكبة في الحرب بين إسرائيل وحماس.
يعد الفتى البالغ 16 عاما من بين العديد من المدنيين من الطرفين الذين وجدوا أنفسهم عالقين في دوامة التضليل منذ السابع من أكتوبر وإطلاق العملية العسكرية في غزة.
تدور حرب المعلومات بالتزامن مع تلك المتواصلة ميدانيا إذ يتهم أصحاب نظريات المؤامرة المواطنين الفلسطينيين والإسرائيليين بأنهم «ممثلو أزمات» يدعون تعرضهم لإصابات ويتظاهرون بالموت لكسب التعاطف وشيطنة الطرف الآخر.
وعرفت العديد من المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي وبشكل زائف تسجيلا مصورا قديما يظهر زنديق جريحا على سرير في إحدى المستشفيات على أنه لمدون فلسطيني وثق القصف الإسرائيلي لغزة.
وروجت المنشورات لرواية زائفة مفادها أن المدون مثل بأنه مصاب ليوم واحد ومن ثم كان يمشي دون أن تبدو عليه آثار أي إصابات بعد ذلك بوقت قصير.
وقال مؤثر إسرائيلي في منشور حصل على ملايين المشاهدات على منصة «إكس» «مدون فلسطيني يتعافى بمعجزة بعد يوم من القصف الإسرائيلي». وأضاف «بالأمس، نقل إلى المستشفى، واليوم.. يمشي وكأن شيئا لم يكن».
لكن المنشورات خلطت صور شخصين مختلفين، وفق ما خلص إليه فريق تقصي الحقائق في فرانس برس، بالاعتماد على عمليات البحث بالصور والكلمات المفتاح.
كانت إحدى الصور لزنديق الذي فقد ساقه في يوليو خلال عملية إسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، بحسب عائلته. وأما الثانية فهي لمدون بالفيديو في غزة يدعى صالح الجعفراوي.
وفي تأكيد على التداعيات على الأرض للتضليل الإعلامي في أوقات الحرب، أثارت المنشورات سيلا من الإساءات عبر الإنترنت التي استهدفت زنديق، بما في ذلك تعليقات تتساءل عن سبب عدم بتر الأطباء ساق المراهق الثانية أو قتله.
وقال يوسف عصام فندقاه، والد زنديق، (50 عاما) لفرانس برس «أخشى على حياة ابني.. يمكن أن يقتل بسبب هذه الكذبة».
وقال مايك كولفيلد الذي يبحث في الأكاذيب على الإنترنت في مركز الجمهور المستنير التابع لجامعة واشنطن إن اتهام الناس كذبا بتزييف معاناتهم بات أحد تكتيكات التضليل «التي يمكن توقعها».
وتخللت عمليات إطلاق النار الكبيرة التي تشهدها الولايات المتحدة أحيانا والحرب الروسية - الأوكرانية مزاعم مشابهة عن «ممثلي الأزمات».
لكن روايات كهذه انتشرت في إطار الحرب بين إسرائيل وحماس، جزئيا بسبب تراجع مراقبة المحتوى على منصات مثل «إكس»، وفق ما أفاد خبراء فرانس برس.
وتستخدم بعض المنشورات الأكثر انتشارا التي تستهدف أهالي غزة مصطلح «باليوود»، وهو مصطلح مهين يخلط بين «فلسطين» و«هوليوود».
وقال يوتام فروست من هيئة «فيك ريبورتر» الإسرائيلية لمراقبة التضليل لفرانس برس «ظهر هذا الاتجاه بداية في الأيام الأولى للحرب مع تسجيل مصور يكشف عن لقطات من خلف الكواليس في موقع تصوير فيلم يزعم أنه يصور الفلسطينيين يفبركون إصابات».
ومع مضي الحرب قدما، علق الإسرائيليون في الروايات الكاذبة، بحسب فروست.
فند فريق تقصي الحقائق في فرانس برس عدة مزاعم عن «ممثلي الأزمات» تستعرض مؤثرات مرئية تعود إلى سنوات وأماكن مختلفة تماما.
وذكرت حسابات إسرائيلية رسمية على «إكس» بما في ذلك سفارات بأن تسجيلا مصورا لطفل فلسطيني مقتول لم يكن في الواقع سوى لعبة لفت بقماش، وهو أمر غير صحيح.
وقال كولفيلد «إنها مجموعة وصفات: اعثر على صورتين لشخصين بينهما شبه أو ابحث في تسجيلات لأفلام من خلف الكواليس لتجد ما يمكنك أن تدعي أنه تزييف لحرب».