بعد أن أخبرنا الله عزّ وجلّ أن هذه الدنيا التي قد يغتر الإنسان بزينتها وزخرفها، حذرنا من الغفلة والإعراض عن ذكر الله وأن من لم يردعه ذكر الله عن المعاصي يسلط الله عليه شيطانا يدله على الشر، فلكل إنسان مُعرض عن ذكر الله وعن القرآن شيطان مُسخر له، فمن يغفل عن ذكر الله وعن طاعته شبهه الله تعالى بالذي أصيب في عينيه فلم يعد يرى الحق.
والإنسان له قرناء ثلاثة: قرين إنسي وهو صاحبه الذي يختاره في الدنيا، وقرين ملائكي الذي أوكله الله به تتعاقب عليه الملائكة في صلاة الفجر وصلاة العصر وحين تذكر الله فإذا اردت ان تستدعي الملائكة اذكر الله، فإن لله تعالى ملائكة سيارة تبحث عن اهل الذكر. وأما القرين الثالث فهو جني من الشيطان، فلكل منا قرين من الشيطان لكن الإنسان المؤمن يهلك قرينه بالاستغفار.
من ترك ذكر الله لازمه الشيطان
(نقيض له شيطاناً فهو له قرين) أما الكافر الذي غفل عن ذكر الله أو من لم يعد يرى الحق والمُعرض عن القرآن واتبع شهواته فقيض الله له الشيطان، ووظيفة الشيطان الصد عن سبيل الخير، بل يبين للإنسان أنه على حق، ولكي يعرف الإنسان الحق لابد ان يعرف ويتعلم كتاب الله وسنته.
بعد فوات الأوان
ثم ينقلنا القرآن من مشهد حاضر إلى مشهد مستقبلي، فيخبرنا عن هؤلاء في المستقبل فقال: (حتى إذا جاءنا قال ياليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين) الإنسان يلعن الشيطان عند الحساب ويتمنى أن يكون بينه وبين القرين الذي اطمأن له في الدنيا بُعد المشرقين، حينئذ لن يخفف عنهم العذاب لأنهم اتبعوا الشيطان وكان الاختيار بيدك ولكن الندم لا ينفع لأن الوقت يكون قد فات.
(أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين) يلتفت سبحانه إلى نبيه مسليا قلبه الكريم فيقول له إن مهمتك البلاغ وأما أن تأخذ بيد من يعرض عن ذكر الله وترغمه على الإبصار فهذا ليس في حدود بشريتك، فهؤلاء قلوبهم ميتة أصاب القلب الصمم، فلا تحزن على من لا يسمعون ولا يريدون الحق كأنه أصابهم العمى فكيف يمكنك إسماعه؟
نصر الله
(فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون) أي لابد أن ننتقم منهم ونعاقبهم ولو ذهبت أنت، وهذه الآيات تخاطبنا الآن فيما نراه في غزة، فالله متم وعده فاطمئن بوعد الله وثق بوعده، أخبرنا الله أنه سينصر أهل الإيمان وهذه النصرة واقعة سواء رأيناها أم لم نرها، فعلى الإنسان أن يتأدب مع اقدار الله ويتلقاها بالصبر والقبول.
(أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون) الله يفعل ما يريد ونرينك الذي وعدناهم من العذاب النازل بهم فإنا عليهم مقتدرون، نظهرك عليهم ونخزيهم بيدك وأيدي المؤمنين، فالله قادر ولا يسأل عما يفعل.
ثم يقول الله والخطاب لنبيه وكل خطاب في القرآن لمحمد صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته وإن لم يخصص (فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم) أصل الكلمة (مسك) لكن العرب تقول كل زيادة في المبنى زيادة في المعنى دلالة على المبالغة في التمسك بما اوحى الله لك، فبقدر التمسك بالكتاب والسنة تكون هدايتك الى الصراط.
القرآن شرف للعربية
(وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون) يقول الله لنبيه هذا القرآن تذكير وعظة لك، وهذا القرآن الذي شرفت به، شرف لك ولقومك وعزة لك ولقومك العرب، فقد نزل بالعربية فتدبروا القرآن الذي نزل بلغتكم وهذا شرف ورفعة وحياة، والقرآن سيأتي ويشهد إما شفيعا لك أو عليك، وهذا القرآن شرف لك ولقومك من قريش، حيث نزل بلغتهم فهم أفهم الناس له وسوف تسألون أنت ومن معك عن العمل به وهذا قسم من الله (وسوف تسألون).