يخبرنا الله عز وجل في سورة الزخرف بحقيقة الدنيا والتحذير من زينتها وألا ننخدع بالمظاهر المادية، لأن الانخداع بها واعتبارها وسيلة لتقييم الانسان فيه ضياع للأمة كما ضاعت الأمم السابقة، فانخدعت واعتبرت أن متاع الدنيا وزخرفها هو النعيم الحقيقي ونسوا أن النعيم الحقيقي هو نعيم الآخرة الذي لا ينتهي، وأن الدنيا زخرفها زائل، يقول الله تعالى مبينا كمال مشيئته وإحاطه علمه (فإما نذهبنّ بك فإنا منهم منتقمون)، فإن توفيناك ـ يا محمد ـ قبل نصرك على المكذبين من قومك فإنا منهم منتقمون في الآخرة (أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون)، وهذا ما نراه الآن، الله لا يعجزه شيء، وكذلك اليهود تحت سطوة الله وقدرته.
تمسك بالقرآن والسنة
(فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم)، ورغم كل هذه الفتن التي كان عليها قوم النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى له: فاستمسك بما يأمرك به الله في هذا القرآن الذي أوحاه إليك إنك على صراط مستقيم، وفي هذا تثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم وثناء عليه، يأمرنا الله بالاستمساك بالقرآن واتباع كتابه وألا تشغلنا الدنيا، (واسأل من أرسلنا من قبلك)، واسأل يا محمد أتباع من أرسلنا من قبلك من رسلنا وحملة شرائعهم، أجاءت رسلهم بعبادة غير الله؟ فإنهم يخبرونك بأن ذلك لم يقع، فإن جميع الرسل دعوا الى ما دعوت الناس اليه من عبادة الله وحده لا شريك له ونهوا عن عبادة ما سوى الله.
شواهد في تاريخ البشرية
(ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون)، ولقد أرسلنا موسى بآيات تؤيد رسالته الى فرعون وأشراف قومه كما أرسلناك يا محمد الى المشركين من قومك، فقال لهم موسى: إني رسول رب العالمين، فلما جاءهم بالبينات الواضحات الدالة على صدقه في دعوته، اذا فرعون وملأه يضحكون ويستهزئون، والآية عظيمة لا تتعلق فقط بقوم موسى، بل بكل من عاهد الله ونكث في عهده، وما نري فرعون وملأه من آيات وحجج وبراهين تدل على صحة ما يدعو موسى إليه وأخذناهم بالعذاب كالجراد والقمل والضفادع والطوفان وغير ذلك لعلهم يرجعون عن كفرهم بالله الى توحيده وطاعته، (وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ)، وقال فرعون وملأه لموسى: يا أيها الساحر (وكان الساحر فيهم عظيما ويحترمونه) ادع لنا ربك بما عهده إليك ان يكشف عنا العذاب، فإن توقف هذا العذاب فإننا مهتدون ومؤمنون بما جئتنا به، فلما دعا موسى برفع العذاب ورفعناه عنهم اذا هم يغدرون ويصرون على كفرهم.
كلمات مهلكات
(ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر)، قال فرعون مفتخرا بملك مصر: أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي؟ أفلا تبصرون عظمتي وقوتي وضعف موسى وفقره؟ يخاطب فرعون باللغة المادية التي طغت على العصر، واغتر فرعون بالسطوة والمال (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين)، يلمز فرعون بموسى عليه السلام، فيقول أنا خير من هذا الذي لا عز معه.
قياس التفضيل
(فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب)، فهل ألقي على موسى ان كان صادقا انه رسول أسورة من ذهب او جاء معه الملائكة يشهدون بأنه رسول الله إلينا.
(فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ)، فلما أغضبونا بعصياننا وتكذيب موسى وما جاء به من الآيات انتقمنا منهم بالعذاب العاجل فأغرقناهم أجمعين في البحر وجعلناهم سلفا لمن يعمل مثل عملهم ممن يأتي بعدهم وعبر وعظة للآخرين.
(وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) ولما ضرب المشركون بابن مريم مثلا حين خاصموا محمدا صلى الله عليه وسلم وحاجوه بعبادة النصارى إياه، إذا قومك من ذلك ولأجله يرتفع لهم جلبة وضجيج فرحا وسرورا وذلك عندما نزل فيه تعالى (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ)، وقال المشركون: رضينا ان تكون آلهتنا بمنزلة عيسى، فأنزل قوله (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ)، فالذي يلقى في النار من آلهة المشركين من رضي بعبادتهم إياه.