أكد الشيخ د.خالد الخراز أنه ليس كل قارئ للعلوم الشرعية يعد فقيها، وليس كل من ملك مكتبة كبيرة يعتبر إماما، ولا كل من تخصص في العلوم الإنسانية يكون عالما بالشريعة والفقه، وبيّن أن العالم الرباني هو الراسخ في العلم الشرعي وشهادة الشيوخ له بالعلم وتمكنه من دفع الفتن والشبهات وجهاده وخشيته واستغنائه عن الدنيا. وفي حديثه لـ«الإيمان» شرح الفرق بين العالم والمفكر والواعظ، وبين صفات العالم وأحواله، وتطرق إلى طريقة الأدب مع العلماء، وكيف يكون توقيرهم.. فإلى نص الحوار:
من هم العلماء؟
٭ العلماء: هم أئمة الدين، والفقه، وأهل الذكر العاملون بالوحيين من أهل السنة والجماعة على هدى وبصيرة ونور من ربهم. والعالم إنسان أكملته التربية، وعلوم الآلة الشرعية، فهو يحاول جاهدا أن ينقل صورته وعلمه، ونظام أحواله إلى غيره، ليكون خلفا منه، ليسير من بعده على هدى من ربه. والعالم الحق من لا يظهر جلالة قدره ليحظى بالتقدير والتعظيم، وعلو الشأن، ولكن ليمنح غيره الطرق الصحيحة للوصول إلى حقيقة الإيمان والتقوى والخشية من الله سبحانه.
كيف يعرف العالم؟
٭ يعرف العالم الرباني برسوخه في العلم الشرعي، وشهادة الشيوخ له بالعلم، وثناء الناس عليه، وتمكنه من دفع الفتن والشبهات، وجهاده، وخشيته، واستغنائه عن الدنيا. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله: «ومن له في الأمة لسان صدق عام بحيث يثنى عليه، ويحمد في جماهير أجناس الأمة، فهؤلاء هم أئمة الهدى، ومصابيح الدجى».
كيف نفرق بين العالم والمفكر والواعظ؟
٭ ليس كل قارئ للعلوم الشرعية يعد فقيها، وليس كل من ملك مكتبة كبيرة من شتى الفنون، يعتبر إماما، ولا كل من تخصص في العلوم الإنسانية يكون عالما بالشريعة والفقه، فالقراءة والوعظ والبلاغة شيء، والفقه والاستنباط ومعرفة أحكام النوازل شيء آخر. فالمفكر ـ وربما الواعظ ـ لا يصدق فيهم مسمى العالم، ولا يصح أن يطلق عليهم علماء.
ما صفات العالم وأحواله؟
٭ قال الإمام الآجري ـ رحمه الله: «لهذا العالم صفات وأحوال شتى، ومقامات لابد له من استعمالها، فهو مستعمل في كل حال ما يجب عليه، فله صفة في طلبه للعلم كيف يطلبه، وله صفة في كثرة العلم إذا كثر عنده ما الذي يجب عليه فيه فيلزمه نفسه، وله صفة إذا جالس العلماء كيف يجالسهم، وله صفة إذا تعلم من العلماء كيف يتعلم، وله صفة كيف يعلم غيره، وله صفة إذا ناظر في العلم كيف يناظر، وله صفة إذا أفتى الناس كيف يفتي، وله صفة كيف يجالس الأمراء إذا ابتلي بمجالستهم، ومن يستحق أن يجالسه ومن لا يستحق، وله صفة عن معاشرته لسائر الناس ممن لا علم معه، وله صفة كيف يعبد الله ـ عز وجل ـ فيما بينه وبينه، قد أعد لكل حق يلزمه ما يقويه على القيام به، وقد أعد لكل نازلة ما يسلم به من شرها في دينه، عالم بما يجتلب الطاعات، عالم بما يدفع به البليات، قد اعتقد الأخلاق السنية، واعتزل الأخلاق الدنية».
هل تذكر لنا بعض ثمرات الأدب مع العلماء؟
٭ الأدب مع العلماء أدب مع الله ـ سبحانه وتعالى ـ وتعظيم لشعائره، قال تعالى: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) [الحج: 32]، وتوقير حملة الشرع وحماته من توقير الله ـ سبحانه وتعالى، قال سبحانه: (ما لكم لا ترجون لله وقارا) [نوح: 13]، فكل ما يشرف بالإضافة إلى الله تعالى فإن حقه التعظيم والتوقير، وبذلك جاءت السنة عن عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه».
ولأنهم خلفاء الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أمته، والمحيون لما مات من سنته.
كيف يكون توقير العلماء من العقيدة؟
٭ قال الإمام ابن حزم ـ رحمه الله : «اتفقوا على توقير أهل القرآن والإسلام والنبي، وكذلك الخليفة والفاضل والعالم، وقد بلغ من تعظيم العلماء، ووجوب صيانة تاريخ أكابر المسلمين إلى حد النص عليه في كتب العقائد، بحيث لا يخالف في ذلك إلا شاذ خارج عن الجماعة».
يقول الإمام الصحاوي «وعلماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من التابعين، أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر، لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير سبيل».
إنهم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم السائرون على هديه، والناهلون من علمه أهل السنة والجماعة، العقيدة النقية.
كيف لا وهم حفظة القرآن الكريم، وحملة السنة النبوية، كيف لا وهم ائمة الهدى وورثة الانبياء، أليسوا هم حراس الدين وحماته من الابتداع والتحريف وعصمة الامة من الانحراف والضلال في زمان الفتن؟ فإن المسيء لهم والطاعن عليهم قد ركب متن الشطط، ووقع في أقبح الغلط، لأن حرمتهم مضاعفة، وحقوقهم متعددة، وقد جعل الله لهم حقوق المسلم عامة، ثم لهم حقوق اخرى خاصة، فإن الله سبحانه وتعالى رفع المؤمنين على من سواهم، ثم رفع أهل العلم على سائر المؤمنين، فقال سبحانه (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير ـ المجادلة: 11)، فلهم مكانة عالية ينبغي ان تتأصل في نفوس الناشئة والطلاب، وان يتخلق بها التلاميذ بفضل السابق على اللاحق، والسلف على الخلف، والعالم على الطالب بوجوب الادب في توقير واكرام.
كيف كان توقير العالم في الأولين؟
٭ ان توقير العالم وهيبته من اخلاق السابقين، وسنة ماضية في الاولين، قال طاووس بن كيسان «إن من السنة ان توقر العالم»، وقال ايضا «من السنة ان يوقر أربعة: العالم، وذو الشيبة، والسلطان، والوالد».
فسبحان الله كم من الطلاب اليوم يتكلمون ويفتون والشيخ قاعد، ويجيبون والشيخ حاضر، وربما ترتفع اصواتهم وتمتد الارجل ويتمارون ويتضاحكون والشيخ قاعد، فلا إله إلا الله، أين التوقير وأين الأدب؟
ما حقوق العلماء؟
٭ يروى عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب رضي الله عنه «من حق العالم عليك إذا أتيته ان تسلم عليه خاصة، وعلى القوم عامة، وتجلس قدامه، ولا تشر بيديك، ولا تغمز بعينيك، ولا تقل: قال فلان خلاف قولك، ولا تأخذ بثوبه، ولا تلح عليه في السؤال».
وقال الإمام الشافعي «ما أعلم أني أخذت شيئا من الحديث ولا القرآن او النحو او غير ذلك من الأشياء مما كنت استفيد إلا استعملت فيه الأدب، وكان ذلك طبعي الى ان قدمت المدينة، فرأيت من مالك ما رأيت من هيبته وإجلاله العلم، فازددت من ذلك حتى ربما كنت أكون في مجلسه فأصفح الورقة تصفحا رفيقا، هيبة له لئلا يسمع وقعها».
هل تذكر لنا بعض صفات وأخلاق العلماء؟
٭ الزهد لا يعني رفض الدنيا والتجافي عنها بالكلية من طيب الطعام أو الزواج أو المال «وليس المراد رفضها من الملك فقد كان سليمان وداود، عليهما السلام، من أزهد أهل زمانهما، ولهما من المال والملك والنساء مالهما، وكان نبينا من أزهد البشر على الإطلاق وله تسع نسوة، وكان علي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير، وعثمان، رضي الله عنهم، من الزهاد مع ما كان لهم من الأموال، ومن أحسن ما قيل في الزهد كلام الحسن، أو غيره: ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال، ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك، وأن تكون في ثواب المصيبة ـ إذا أصبت بها ـ أرغب منك فيها لو لم تصبك فهذا من أجمع كلام في الزهد وأحسنه».