(ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم ـ التوبة: 99 - 99).
بيّنا في الآيات السابقة ان الأعراب أشد كفرا ونفاقا، ذلك لأنهم يعيشون في البادية وأخذوا منها الجفاء والغلظة وكذلك الجهل، فالجهل إحدى سمات الأعراب لأنهم قليلو التواصل مع أهل القرى الذين فيهم حسن الكلام والمعرفة وسرعة البديهة والفهم.
وفي هذه الآية يبين الله صنفا آخر من الأعراب (غير المنافقين والمشركين) وهم المؤمنون، الذين آمنوا بالله ورسوله ﷺ وتمسكوا بتعاليم الدين وماتوا وهم على ذلك ولم يرتدوا مثل المنافقين فهؤلاء في عداد الصحابة رضوان الله عليهم.
لم يهتم كثير من المؤمنين من الأعراب بالعلم الشرعي، وذلك بسبب قلة المعايشة مع الرسول ﷺ والصحابة وأهل البيت الذين في المدينة، وبسبب كذلك عدم حضورهم للجماعات، يقول ابن تيمة (فيما ينقله صاحب كتاب الصحابة والقرابة في القرآن الكريم)، «وإنما وجه النهي في مشابهة الأعراب والأعاجم مع ما ذكرناه من الفضل فيهم، وعدم العبرة بالنسب والمكان مبني على أصل، وذلك أن الله تعالى جعل سكنى القرى يقتضي من كمال الإنسان في العلم والدين، ورقة القلوب، ما لا يقتضيه سكنى البادية، كما ان البادية توجب من صلابة البدن والخلق، ومتانة الكلام، ما لا يكون في القرى، هذا هو الأصل».
لذلك نادرا ما تجد من بين الأعراب المسلمين من يروي أحاديث النبي ﷺ.
وهذا رد على من من يقول: كيف تقولون ان الصحابة عدول في روايتهم لحديث النبي ﷺ ومن الرواة أعراب منافقون.
في هذه الآية يمدح الله عز وجل بعض الأعراب من المؤمنين.
يقول ابن كثير في تفسيره: «هذا هو القسم الممدوح من الأعراب، وهم الذين يتخذون ما ينفقون في سبيل الله قربك يتقربون بها عند الله، ويبغون بذلك دعاء النبي ﷺ لهم، (ألا انها قربة لهم) أي ان ذلك حاصل لهم. وسيدخلهم الله في رحمته».