قال تعالى: (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين) فانتظر - يا محمد - يوم تأتي السماء لهؤلاء المشركين بدخان واضح مبين. قال المفسرون: ان الدخان قد وقع عندما دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بسنين كسنين يوسف فأصابهم الجوع والإعياء وجعلوا يرفعون أبصارهم الى السماء فلا يرون إلا الدخان، وقيل: جعل الرجل ينظر الى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد. وقال ابن كثير: إنما هو خيال من شدة الجوع فتخيل لهم أنهم رأوا دخانا معلقا بين السماء والأرض، وفهم من قال إن الدخان من علامات الساعة ويجوز ان نجمع بين الآراء في الدخان، فالدخان علامة من علامات الساعة الكبرى.
انتقام إلهي
(أنّى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين) كيف يكون لهم التذكر بالاتعاظ بعد نزول العذاب بهم والرسول كان بينهم يبين الحق، وقد وصف الله تعالى كتابه بالمبين، ووصف رسول بالمبين، ومع ذلك قالوا: علمه بشر او الكهنة أو الشياطين وهو مجنون (إنا كاشفوا العذاب قليلا انكم عائدون) سنرفع عنكم العذاب قليلا وسترون انكم تعودون إلى ما كنتم فيه من الكفر والضلال والتكذيب.
(يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون) يوم نعذب الكفار العذاب الأكبر يوم القيامة وهو يوم انتقامنا منهم.
(ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم) ولقد اختبرنا وابتلينا قبل هؤلاء المشركين قوم فرعون وجاءهم رسول كريم وهو موسى عليه السلام فكذبوه فهلكوا وهكذا نفعل بأعدائك يا محمد إن لم يؤمنوا.
(أن أدوا إلي عباد الله إني لكم رسول أمين) قال لهم موسى: أن سلموا إلي عباد الله من بني إسرائيل وأرسلوهم معي ليعبدوا الله وحده إني لكم رسول أمين على وحيه ورسالته. وألا تعلوا وتتكبروا على الله وتكذبوا رسله، إني آتيكم بدلائل وبراهين واضحة على صدق رسالتي، إني استجرت بالله ربي وربكم أن تقتلوني رجما بالحجارة، وإن لم تصدقوني على ما جئتكم به، فاتركوني وكفوا عن أذاي (وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون).
جزاؤهم
(فأسر بعبادي ليلا إنكم مُتَّبعون)، اختصر الله لنا القصة فأتانا بمشهد البداية وآتانا بمشهد النهاية وأمر الله موسى أن يخرج ليلا ببني إسرائيل الذين آمنوا منهم وأمره الله أن يترك البحر كما هو على حالته ساكنا، إن فرعون وجنوده مغرقون في البحر، وكم ترك فرعون وقومه بعد مهلكهم وإغراق الله لهم من بساتين وجنات وعيون من الماء جارية وزروع ومساكن جميلة وعيشة كانوا فيها مترفين. مثل ذلك العقاب يعاقب الله من كذّب وبدّل نعمة الله كفرا، وأورثنا تلك النعم من بعد فرعون وقومه قوما آخرين خلفوهم من بني إسرائيل. فما بكت السماء والأرض حزنا ولم يفتقدهم أحد.
(ولقد اخترناهم على علم على العالمين.. الآية) اصطفى الله بني إسرائيل على علم منا بهم على عالمي زمانهم وآتيناهم من المعجزات على يد موسى ما فيه ابتلاؤهم واختبارهم رخاء وشدة. (إن هؤلاء ليقولون) هؤلاء المشركون من قومك يا محمد ليقولون ما هي إلا موتتنا التي نموتها وهي الموتة الأولى والأخيرة وما نحن بمبعوثين للحساب أو العقاب، ويقولون أيضا: فأت يا محمد أنت ومن معك بآبائنا الذين ماتوا إن كنتم صادقين، ان الله يبعث من في القبور.
(أهم خير أم قوم تُبّع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين) أهؤلاء المشركون خير أم قوم تُبّع والذين من قبلهم من الأمم الكافرة بربها؟ أهلكناهم لإجرامهم وكفرهم وليس المشركون بخير من أولئك لنعفو عنهم ولا نهلكهم لكفرهم.
طعام أهل النار
(إن شجرة الزقوم طعام الأثيم.. الآية) شجرة الزقوم التي تخرج من أصل الجحيم ثمرها طعام المشركين وأصحاب الآثام الكثيرة، ثمرها كالمعدن المذاب يغلي في بطون المشركين كغلي الماء الحميم يحيط بهم من كل جانب (ذق إنك أنت العزيز الكريم) تهكم بهم وتوبيخ لهم، ذق هذا العذاب الذي تعذب به اليوم، إنك أنت العزيز في قومك الكريم عليهم، وهذا العذاب الذي تعذبون به اليوم هو العذاب الذي كنتم لا توقنون به في الدنيا.