(إن المتقين في مقام أمين)، إن الذين اتقوا ربهم وعملوا الصالحات وامتثلوا لأوامر الله واجتناب نواهيه في الدنيا في موضع إقامة آمنين من الآفات والآحزان لا يلحقهم خوف في أي حال.
حال المتقين
وبين الله تعالى حالهم بأنهم (في جنات وعيون) في ظل ظليل من كثرة الأشجار والفواكه التي تحيط بهم من كل جانب.
(وعيون) تجري من تحتهم الأنهار يفجرونها تفجيرا في جنات النعيم (يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين) لبساهم مارق من الديباج وما غلظ منه مما تشتهيه أنفسهم، يقابل بعضهم بعضا بالوجوه، ولا ينظر بعضهم من خلف بعض لتكمل الراحة والطمأنينة والمحبة والعشرة الحسنة والآداب المستحسنة.
النعيم التام
(كذلك وزوجناهم بحور عين)، كما أعطينا هؤلاء المتقين في الآخرة من الكرامة بإدخالهم الجنات وإلباسهم فيها السندس والإستبرق، كذلك اكرمناهم بإن زوجناهم بالحسان من النساء الجميلات.
(يدعون فيها بكل فاكهة آمنين) أي الجنة (بكل فاكهة) سواء لها اسم في الدنيا ومما لا يوجد له اسم ولا نظير في الدنيا، فمهما طلبوا من أنواع الفاكهة وأصنافها أحضر لهم في الحال من غير تعب ولا تكلفة، (آمنين) من انقطاع ذلك وفنائه وآمنين من كل مكدر وآمنين من الخروج منها والموت.
فضل عظيم
(لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم)، ليس فيها موت، فهؤلاء المتقون في الجنة لا يذوقون الموت بعد الموتة الاولى التي ذاقوها في الدنيا، ووقى الله هؤلاء المتقين عذاب الجحيم ونجاهم الله منه بعملهم وصلاحهم.
(فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم)، تفضلا واحسانا منه سبحانه وتعالى حصول هذا النعيم الذي أعطاه الله للمتقين في الآخرة من نيل رضوان الله وجنته والسلامة من عذابه وسخطه وهذا الفوز الذي لا فوز بعده.
(فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون)، أي القرآن، فإنما سهلنا لفظ القرآن ومعناه بلغتك يا محمد فتيسر له لفظه وتيسر معناه، لعلم يتعظون وينزجرون ولعلهم يتذكرون ما فيه نفعهم فيفعلونه وما فيه ضررهم فيتركونه.
(فارتقب إنهم مرتقبون)، انتظر ما وعدك ربك من الخير والنصر على هؤلاء المشركين بالله وما يحل بهم من العقاب، انهم منتظرون ومرتقبون ما يحل بهم من العذاب وسيعلمون لمن تكون النصرة والظفر وعلو الكلمة في الدنيا والآخرة إنها لك ـ يا محمد ـ ولمن اتبعك من المؤمنين.
شجرة الزقوم
يؤخذ من الآيات في القرآن الكريم أن هذه الشجرة شجرة خبيثة، جذورها تضرب في قعر النار، وفروعها تمتد في ارجائها، وثمر هذه الشجرة قبيح المنظر ولذلك شبّه برؤوس الشياطين، وقد استقر في النفوس قبح رؤوسهم وان كانوا لا يرونهم، ومع خبث هذه الشجرة وخبث طلعها الا ان اهل النار يلقى عليهم الجوع بحيث لا يجدون مفرا من الاكل منها الى درجة ملء البطون، فإذا امتلأت بطونهم اخذت تغلي في اجوافهم كما يغلي دردي الزيت، فيجدون لذلك آلاما مبرحة، فإذا بلغت الحال بهم هذا المبلغ اندفعوا الى الحميم، وهو الماء الحار الذي تناهى حره، فشربوا منه كشرب الإبل التي تشرب وتشرب ولا تروى لمرض اصابها، وعند ذلك يقطع الحميم امعاءهم.
(ألقيت هذه المحاضرة في مسجد فاطمة الجسار بمنطقة الشهداء)