سورة الجاثية
سورة مكية تبين حال أهل الدعوة في تلقي القرآن الكريم، تفتتح بـ (حم) بالإعجاز اللغوي للقرآن الذي فيه تحدٍ لأهل قريش للغة التي جاء بها القرآن من ذات ما لديهم قيل أربعة عشر حرفا جمعت في جملة (نص حكيم قاطع له سر).
(تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم) يخبرنا الله عزّ وجلّ بأن القرآن منزل من رب العزة والجلال العزيز في انتقامه من اعدائه، الحكيم في تدبير امور الخلق.
دلائل الله تعالى
ثم يبين الله الآيات الدالة على الحق في قوله (إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين) يبين الله تعالى لنا آياته الشرعية وآياته الكونية، لا يمكن ان ترى الخلق الدقيق بين الأرض والسماء ثم تدعي أيها الإنسان ان الصدفة هي التي خلقتها، فإن في السماوات السبع اللاتي منهن نزول الغيث بالأرض التي منها خروج الخلق لأدلة وحججا للمؤمنين بها وفي خلقكم ايها الناس، وخلق ما في الارض من دابة تدب عليها، حجج وأدلة لقوم يوقنون بالله وشرعه.
(تلك آيات الله نتلوها عليك... الآية) هذه الآيات الكونية هي حق وكل ما يأتي به الله حق، والحجج نتلوها عليك - يا محمد - بالحق، فبأي حديث بعد الله وآياته وأدلته على وحدانيته يؤمنون ويصدقون ويعملون؟
وهذه الآيات متضمنة الحق من الحق.
(ويل لكل أفاك أثيم). أفاك: الكثير الكذب، الأثيم: كثير الآثام، هلاك شديد ودمار لكل كذاب كثير الآثام.
(يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبراً كأن لم يسمعها).
يصف الله تعالى لنا حالة هذا المتكبر الذي يصر على التكبر، والخطاب لكافري مكة، يصف الله حالهم أنه يسمع آيات الله تقرأ عليه ثم يتمادى في كفره متعاليا في نفسه عن الانقياد لله ورسوله، كأنه لم يسمع ما تلي عليه من آيات الله.
إياكم والسخرية
(وإذا علم من آياتنا شيئاً اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين).
إن الاستهزاء بأهل الدين أخطر ما يكون على قلب الإنسان، فإياكم والسخرية وهؤلاء، اذا حفظ شيئا من القرآن كفر به واتخذه سخريا، أولئك لهم عذاب أليم وموجع، فيخاطبهم الله بضمير الإشارة البعيد فقال (أولئك)، فالعذاب من جنس العمل، عذاب مهين يخزيهم يوم القيامة جزاء استهزائهم بالقرآن.
(هذا هدى) القرآن هو الهدى وهو الحق وهو الخير، هدى من الضلالة ودليل على الحق ويهدي الى طريق مستقيم من اتبعه وعمل به.
(والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم).
والذين جحدوا بما في القرآن من الآيات الدالة على الحق ولم يصدقوا بها لهم عذاب من أسوأ أنواع العذاب يوم القيامة مؤلم موجع.
نعم الله تستحق الشكر
(الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره... الآية).
ثم بين الله نعمه على خلقه بعدما بدأ بآياته الكونية، ذكرنا تعالى بإنعامه على البشر، هو الذي سخر لكم البحر لتجري السفن بأمره ولتبتغوا من فضله، يخاطبنا الله بنعمه وشكره، فلا تمر علينا آيات الله إلا ويجب ان نشكره عليها (ولعلكم تشكرون) تشكرون ربكم على تسخيره ذلك لكم، فتعبدونه وحده، وتطيعونه فيما يأمركم به وينهاكم عنه.
كل شيء مخلوق لأجلك
(وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض... الآية)
وسخر لكم كل ما في السماوات من شمس وقمر ونجوم وكل ما في الأرض من دابة وشجر وسفن وغير ذلك لمنافعكم، جميع هذه النعم منة من الله وحده أنعم بها عليكم وفضل منه تفضل به، فإياه فاعبدوا، ولا تجعلوا له شريكا. إن فيما سخره الله لكم لعلامات ودلالات على وحدانية الله لقوم يتفكرون في آيات الله وحججه وأدلته فيعتبرون بها.
(ألقيت هذه المحاضرة في مسجد فاطمة الجسار بمنطقة الشهداء)