ونحن على مشارف شهر رجب وهو الشهر السابع من شهور السنة الهجرية وأحد الاشهر الحرم التي قال الله عز وجل فيها: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين) (التوبة: 36). قال الإمام القرطبي - رحمه الله - في تفسيره: «خص الله تعالى الأشهر الحرم بالذكر ونهى عن الظلم فيها تشريفا لها، وان كان منهيا عنه في كل الزمان، وعلى هذا أكثر أهل التأويل، أي: لا تظلموا في الأربعة اشهر الحرم أنفسكم، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «(فلا تظلموا فيهن أنفسكم) في الاثني عشر»أ.هـ(1).
وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي - رحمه الله - في تفسيره: «(فلا تظلموا فيهن أنفسكم) يحتمل أن الضمير يعود الى الاثني عشر شهرا، وان الله تعالى بين أنه جعلها مقادير للعباد، وأن تعمر بطاعته، ويشكر الله تعالى على منته بها وتقييضها لصالح العباد، فلتحذروا من ظلم انفسكم فيها. ويحتمل ان الضمير يعود الى الأربعة الحرم، وان هذا نهي لهم عن الظلم فيها، خصوصا مع النهي عن الظلم كل وقت، لزيادة تحريمها، وكون الظلم فيها اشد من غيرها» أ.هـ(2). وفي الصحيحين (3) من حديث أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجته فقال: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والارض، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان». قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره: «فإنما أضافه - اي رجب - الى مضر ليبين صحة قولهم في رجب انه الشهر الذي بين جمادى وشعبان، لا كما تظنه ربيعة من أن رجب المحرم هو الشهر الذي بين شعبان وشوال وهو رمضان اليوم، فبين صلى الله عليه وسلم انه رجب مضر لا رجب ربيعة، وانما كانت الاشهر المحرمة اربعة، ثلاثة سود وواحد فرد، لأجل أداء مناسك الحج والعمرة فحرم قبل اشهر الحج شهرا وهو ذو القعدة؛ لأنهم يقعدون فيه عن القتال، وحرم شهر ذو الحجة لأنهم يوقعون فيه الحج ويشتغلون بأداء المناسك، وحرم بعده شهر آخر وهو المحرم؛ ليرجعوا فيه الى أقصى بلادهم آمنين، وحرم رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والاعتماد به لمن يقدم اليه من أقصى جزيرة العرب فيزوره ثم يعود الى وطنه فيه آمنا» أ.هـ(4).