(ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين - التوبة: 119).
بعد أن التزم الثلاثة من الصحابة (رضوان الله عليهم) الذين تخلفوا عن غزوة تبوك - السابق ذكرهم في المقال السابق - بالصدق مع النبي صلى الله عليه وسلم نالوا التوبة، بعد اختبار شديد امتد الى خمسين يوما. فجاء الامر بملازمة نهجهم من الصدق في توبتهم وإنابتهم، وهذا احد الاقوال في المراد بالصادقين في الآية. وعلى قول آخر ان المراد بها عموم الآل والأصحاب الذين استقاموا على نهج ربهم، والسياق لا يمنع ذلك.
فكانت الآية دعوة صريحة لكل المؤمنين ليكونوا مع الصادقين، ولكن ليس أي صادق نكون معه إنما الصادق المؤمن الصحيح العقيدة، هناك من الصادقين من ليسوا بمسلمين، ولكنهم قد ينحرفون بك عن الدين القويم الى الالحاد، لذلك قرن الله عزّ وجلّ التقوى بعد الإيمان، لتكون متلازمة مع الصدق في القول والعمل.
إن الدعوة لمعية الصادقين هي ضمان للمجتمع بالسير على الاستقامة، فهي دعوة للفرد ان يكون صادقا مع الله ومع نفسه ومع المجتمع.
إن قوله تعالى (وكونوا مع الصادقين)، ليس أمرا بالكون مع شخص معين، وإنما المراد منه الكون مع مجموع الأمة، وذلك يدل على ان قول مجموع الأمة حق وصواب، حتى لا يشغب عليهم جاهل او مأجور.
إن أبا بكر رضي الله عنه يوم السقيفة لما طلبت الأنصار الإمرة استدل عليهم بهذه الآية. وتقريره: إننا نحن الصادقون وقد أمرتم أن تكونوا مع الصادقين، فأنتم أمرتم أن تكونوا معنا، فتكونون تبعا لنا.
ومن نماذج الآل والأصحاب الصادقين - وكلهم صادق عدل - بقاء زوجات النبي صلى الله عليه وسلم معه الى وفاته.
وكذلك استمرار بقاء الصحابة في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم ونصرته في حياته وحتى وفاته.
وأخيرا بقاء الصحابة مع الخلفاء الراشدين والسابقين الأولين حتى بناء دولة الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
الدعوة لملازمة الصادقين في حقيقتها هي دعوة لعدم السير وراء من يرفع شعارات الزيف والكذب والتخوين لرموز الإسلام، والطعن في مناراته.
يقول السيد محمد فضل الله «فلا مجال للانسجام مع الكاذبين الذين يحولون الحياة الى ساحة للباطل في الشعارات والمواقف».