لما أمر المولى تعالى الجماعة المسلمة بقوله: وكونوا مع الصادقين بوجوب الكون في موافقة الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الغزوات والمشاهد، اكد ذلك فنهى في هذه الآية عن التخلف عنه.
والخطاب في هذه الآية يحمل عتابا موجها بالخصوص لمن تخلف من الصحابة من أهل المدينة ومن حولها من الاعراب عن غزوة تبوك، ثم هو خطاب عام بعد ذلك لموافقة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبته أنى توجه من الغزوات والمشاهد.
في هذه الآية تحريض المؤمنين على عدم التخلف عن غزوة تبوك، وعدم الركون الى الدعة والراحة بحيث لا يقدمون راحتهم على حفظ النبي صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه وعن الاسلام.
ذلك النهي عن التخلف فيه توجيه لهم أنهم لا يؤثرون راحتهم على ما يجدونه من تعب او مشقة او عطش او نصب من اجل اعلاء دين الله وجهاد اعدائه، ووعدهم ان هم التزموا ذلك كتب الله لهم عملا صالحا، والله لا يضيع اجر المحسنين، فليس لهم ان يكرهوا لأنفسهم ما يرضاه الرسول صلى الله عليه وسلم لنفسه.
بل ان انفاقهم في تجهيز جيش العسرة من المال، صغيرا كان ام كبيرا، ومشقتهم في قطع الوديان والجبال لمحاربة الاعداء، يقابله اجر عظيم من الله لهم، جزاء جهادهم واخلاصهم، وصحبتهم لنبيهم في هذه الاوقات العصيبة.
يقول الشيخ محمد حسين فضل الله في معنى قوله تعالى (إن الله لا يضيع أجر المحسنين)، فإنه سبحانه يعرف طبيعة العمل، وقيمته ونتائجه، ويقدر للعاملين جزاءهم تبعا للعمل في حجمه ونوعيته، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
وقد حصل لأمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه من هذه الآية الكريمة حظ وافر، ونصيب عظيم، وذلك أنه أنفق في هذه الغزوة النفقات الجليلة، والأموال الجزيلة، وفي هذا تنبيه لفضله، وبيان لمكانته، فرضي الله عنه وأرضاه.
(مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ للَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ـ التوبة: 120 ـ 121).