يبدو أن في هذه الحياة الفوضوية العجيبة لا تقتصر الصلاحية على المنتجات الاستهلاكية، فحتى البعض قد يعامل البشر على ذلك! لم أقل في هذا الزمن، ففي كل زمن فئة استغلالية!
وليس حتميا أن تكون معرفتك بهذه الفئة قصيرة أو طويلة، لكنها تنتهي بمجرد انتهاء المصالح والمنفعة الشخصية. ربما يصاحبك أحدهم لأشهر أو سنوات، تجمعكم الأنشطة، الضحكات والخلافات، ثم بعدها يرى أنه لم تعد له حاجة في صحبتك، تغير التوقيت وتغيرت الحاجات والمزاج، ربما تغير الظرف الاجتماعي أو المسمى الوظيفي، لذا ما عاد لوجودك أهمية!
لا أظن أن بيننا من لم يمر بما أقصده، ولكل منا رواية بتفاصيل مختلفة، وربما مستفزة! لا أدري ماذا أسمي هؤلاء! فمقابل كل مصداقيتك وجهدك للحفاظ على الصحبة لا تجد المثل في المقابل.
إنهم لا يبنون العلاقات كما يفعل الأسوياء، لا، إنهم يدخلونها كمرفق عام ليخرجوا منها بعد انقضاء الحاجة!
نحن نبني العلاقات ونتفاعل تمثيلا لحقيقة أن «الإنسان مخلوق اجتماعي».
أما هم فأقرب للكائنات الطفيلية! برغم أنك لم تعاملهم قط على أنهم متطفلون أو دخلاء على حياتك، إنما استقبلتهم بحفاوة، وتلمست الخير في نفوسهم، وظننت أنهم يرغبون في رفقتك فبادلتهم الظن الجميل، واعتبرت هذه المعرفة مكسبا للطرفين وسألت الله أن تكون فيه.
إن الموضوع ليس راجعا على شخص التقيته مرة واحدة في مجلس عام، ولا مجهول طلب منك خدمة عبر الهاتف، ولا إنسان قدمه لك أحد الأقارب مصادفة، إنما المعني شخص تقاطعت دروبكما معا، وقضيت معه أوقاتا وسردت له أحاديث، وتحقق بينكما انسجام واعتبرته ضمن دائرة علاقاتك. وللعلاقات مستويات متباينة، وأحيانا يتنقل الأفراد فيها من مستوى إلى آخر، كما أنها لا تحدد بالمدة الزمنية، فالعشرة مصطلح نفسي لا زمني. حتى لا يفهم أننا نعاتب الغرباء، وكيف لك أن تعاتب الغريب؟ إنما من تجمعك معه الأفكار والأوقات، والمشاعر والنقاشات، مع من تقبل عليه وتدعو له وتأمل دوام المودة معه.
برأيي أن كل من غادر لا يستحق الأسف، ولا يعجبني ترديد البعض لعبارات الندم، فلماذا نندم على صدقنا؟! نحن ننهي العلاقات عندما لا نجد الاحترام، عندما تهضم الحقوق وتنتصر الأنانية، فمن وجد الاحترام والمحبة وتخلى كيف نأسى عليه؟
ولي في الختام مقولة دونتها ذات يوم: «المفرط بالمودة لا يؤتمن» والسلام.
[email protected]