(وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ـ التوبة: 118).
صورة جديدة من صور ذكر مآثر الصحابة في القرآن الكريم، وذلك بنزول آيات التوبة بشأن الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، وقد ذكر السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره (من وحي القرآن): الثلاثة هم كعب بن مالك الشاعر ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية الواقفي.
فبعد عودة النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، جاء المتخلفون والمنافقون يقدمون الأعذار عن سبب تخلفهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل منهم، إلا ثلاثة من المتخلفين ما قدموا أعذارا، حيث سأل النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك: ما خلفك عن اللحاق بنا؟ قال: ليس لي عذر، ولكن هو الكسل والتقاعس والتسويف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد صدق، انتظر حتى يقضي الله فيك، فتأخرت توبة الله عليه وعلى مرارة وهلال اللذين شاركاه الموقف نفسه، خمسين يوما، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بمقاطعة هؤلاء الثلاثة وعدم الكلام معهم، وتدرجت اجراءات المقاطعة حتى أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بعدم الكلام مع الصحابة ومنع حديث الصحابة معهم، فكانوا معزولين عن المجتمع المسلم وهم فيه، وسببت لهم تلك الاجراءات تعبا نفسيا، وضاقت عليهم انفسهم بعد ضيق الارض على رحابتها، وطالت المدة وتأخرت التوبة.
يقول السيد فضل الله: فلم يجدوا ملجأ يلجأون إليه، لأن القضية ليست قضية المكان، بل هي قضية ضيق الجو النفسي الداخلي الذي يوحي بالطرد من المجتمع، والبعد عن رحمة الله.
والتزم الثلاثة بإجراءات المقاطعة، ولم تستملهم الإغواءات من هنا وهناك، وكان التزامهم دليلا صادقا على توبتهم التي قبلها الله منهم، وفرَّج عنهم بعد خمسين يوما، بل وأنزل توبتهم على نبيه صلى الله عليه وسلم وجعلها آيات تتلى الى يوم القيامة.
وبعد صلاة الفجر، أعلن النبي صلى الله عليه وسلم توبة الله عز وجل على عباده الثلاثة، وانطلق الصحابة رضوان الله عليهم يتسابقون ليبشروا إخوانهم الثلاثة بقبول الله عز وجل توبتهم وعودتهم الى المجتمع المسلم خلف قيادة النبي صلى الله عليه وسلم.