القبول في مهنة الطب أصبح صعب المنال، وأحيانا يكون مهمة مستحيلة على الطالب في الثانوية العامة، وخاصة بالشرق الأوسط الذي تمكنت فيه سياسات الدول العربية من رفع مهر الالتحاق بهذه المهنة لدرجة الغلو المفرط، أي بمعنى أن القبول في كلية الطب يحتاج إلى نسبة عالية جدا، وقد تصل النسبة في بعض البلدان العربية إلى 99%.
والسؤال هنا، لماذا هذا التشدد العلمي المفرط والمقيت للقبول في كلية الطب، وقد عشنا هذه التجربة من خلال ظهور وباء كورونا في 2021 وكانت الحاجة العالمية للأطباء كبيرة جدا، وأصبحت الكويت تستعين بكوادر طبية عربية وأجنبية من أجل سد النقص الحاد في الأطباء الكويتيين.
وهذا النقص مبني على سبب مهم، وهو مدى صعوبة القبول في كلية الطب في جامعة الكويت، وكذلك القبول في بعثات دراسة الطب خارج الكويت، الذي يرى البعض أنه يقترب من الاستحالة.
ونقول هنا إن نسبة الدرجات العالية أو المنخفضة ليست معيارا عادلا أو مقنعا من اجل دراسة الطب، إذ إن الأمر مرتبط باستعداد الطالب نفسه لدراسة الطب، فعلى سبيل المثال قامت الجامعات العراقية في بداية الثمانينيات بتقديم منح دراسية لخريجي الثانوية العامة وألغي شرط القبول بالنسب الدراسية، أي بمعنى ان الطالب مسموح له باختيار الدراسة التي يريدها فالتحق بعض الطلبة بهذه المنح الدراسية، وكانت نسب هؤلاء الطلبة منخفضة جدا، اذ ان الشاطر فيهم كانت نسبته 60% والطريف بالموضوع أنني اعرف اثنين من هؤلاء الطلبة معرفة شخصية لم تزد نسبهما بالثانوية العامة على 55% ودخلا كلية الطب في جامعة بغداد وجامعة المستنصرية واستطاعا ان يتفوقا في دراستهما، واليوم يعملان في مستشفيات الكويت كاستشاريين، وأحدهما كان مشرفا على علاج والدي في مستشفى الصباح، وكان بارعا في تخصصه.
ومن أغرب الأمور التي عاصرتها ان طالبا كان من زملائي منذ المرحلة الابتدائية ولم يكن متميزا في الدراسة بقدر ما هو متميز بهوايته في الدراجات النارية وتصليح أعطالها وفي السنتين الأخيرتين في المرحلة الثانوية استطاع أن يحصل على أعلى الدرجات وتخرج بنسبة عالية مكنته من دراسة الطب في جامعة الكويت، وهو الآن استشاري ورئيس أحد الاقسام في مستشفى الجهراء.
ومما سبق أعلاه نرجو إيقاف سياسة النسب العالية للقبول في كلية الطب التي أحدثت فقرا واضحا في الأطباء سواء في الكويت أو على مستوى الشرق الأوسط، وهذه السياسة أثبتت قوتها في تقليص أعداد الاطباء.
ومما سبق أعلاه نجد أن سياسة القبول بالنسب العالية غير العادلة وغير المقنعة في كلية الطب لابد ان تتغير، وخصوصا في الوقت الحاضر، وذلك لسببين رئيسيين وهما:
الأول هو ازدياد أعداد السكان من الخليج إلى المحيط، والثاني هو انطلاق الحرب البيولوجية الدولية الصامتة وكانت بدايتها معركة فيروس كورونا، وربما يكون القادم أسوأ كما قال بيل غيتس الذي قرع جرس الاستعداد لأزمة كورونا من خلال تصريحاته التي أطلقها قبل بضع سنوات من ظهور هذا المرض المعدي، وفي المقابل يجب أن تكون هناك استعدادات طبية في العالم العربي وأهمها تخريج اكبر عدد من الاطباء الجدد. ولكن للأسف لن تتزايد أعداد الاطباء بناء على الشروط الحالية للقبول في كلية الطب، وعليه فإن حدوث أي جائحة فيروسية عالمية سيكون للضحايا العرب نصيب الأسد منها، قال تعالى:
يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا (النساء: 71).