بيروت ـ ناجي شربل
أبدى قطب سياسي مسيحي من «الصف الأول»، خشيته من جعل لبنان «جائزة ترضية» في «حسابات المقاصة» على الطاولة الإقليمية.
واستعاد تجربة ما رافق بدايات التسعينيات في القرن الماضي، عندما تم تلزيم إدارة الملف اللبناني بالكامل إلى القيادة السياسية السورية. وقد ضبطت الأخيرة العملية السياسية الداخلية، وفق إيقاعها الخاص. وكانت الاستحقاقات تتم في مواعيدها، ولا يستغرق تأليف حكومة جديدة أكثر من ثلاثة أيام حدا أقصى. وكذلك الاستحقاق الرئاسي، تمديدا لولاية الرئيس الياس الهراوي ثلاث سنوات إضافية، وبعدها تسمية العماد اميل لحود خلفا له، ثم تمديد ولايته ثلاث سنوات.
تبدل المشهد بعد 2005، وتحديدا إثر خروج القوات العسكرية السورية في 26 ابريل عامذاك، جراء تداعيات اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 فبراير. وأدار اللبنانيون شؤونهم، واختاروا للمرة الأولى رئيس حكومة دون المرور بـ«الطريق السورية». نال الرئيس نجيب ميقاتي أغلبية أصوات نيابية على حساب منافسه نائب البقاع الغربي وقتذاك عبد الرحيم مراد.
الا ان العملية السياسية في البلاد دخلت في مراوحة، ولم تتمكن المعارضة المتمثلة في «قوى الرابع عشر من مارس»، صرف فوزها مرتين تواليا في الانتخابات التشريعية في دورتي 2005 و2009.
ومرة جديدة، كانت رعاية دولية عبر «اتفاق الدوحة» الذي أبرمه أهل السياسة في لبنان في فندق «شيراتون» بالعاصمة القطرية في مايو 2008، وأثمر وصول العماد ميشال سليمان إلى رئاسة الجمهورية في 25 مايو.
بعدها جاء الرئيس ميشال عون بتسوية ظاهرها داخلي مع الرئيس سعد الحريري و«القوات اللبنانية» وبدعم من «حزب الله»، في مقابل عدم حماسة خارجية إقليمية ودولية في طليعتها الولايات المتحدة.
خشية السياسي المسيحي نابعة «من موقف القوة لحزب الله في المفاوضات الخاصة بوقف الجبهة الجنوبية مع إسرائيل. وباتت المفاوضات شبه مباشرة عن طريق وسطاء دوليين، في طليعتهم الجانب الأميركي (...) وربما يمل هؤلاء ويقبلون التسليم بوصاية الحزب على البلاد، أسوة بالوصاية السورية في التسعينيات، لقاء وقف العمليات العسكرية في الجنوب وتأمين عودة المستوطنين إلى المستعمرات في شمال إسرائيل».
هذا الكلام يعني تسليم مقاليد الإفراج عن الاستحقاق الرئاسي اللبناني إلى الحزب، الذي تبنى ترشيح رئيس «تيار المردة» الوزير السابق سليمان فرنجية. وتم تثبيت الترشيح مع الشريك في «الثنائي الشيعي»، رئيس مجلس النواب رئيس حركة «أمل» نبيه بري. والأخير استوعب الحراك الديبلوماسي لمجموعة العمل الخماسية (السعودية، مصر، قطر، فرنسا، الولايات المتحدة)، بالدعوة إلى حوار لبناني، يعرف مسبقا ان أطرافا مسيحية فاعلة (الكتائب والقوات) ترفضه لعدم جدواه، ولاقتصاره على الترويج لمرشح الثنائي حصرا.
وليس سرا ان طول أمد الشغور الرئاسي، سيجعل الفريق المتضرر وفي طليعته البطريركية المارونية، يسارع إلى تبني إجراء الاستحقاق وخفض سقف المطالب. وهنا يلتحق فريق بالتسوية ويختار آخر البقاء خارجها، كما حصل مع «الكتائب» التي رفضت التسوية التي أوصلت الرئيس ميشال عون إلى القصر الجمهوري في 31 أكتوبر 2016.
لا يعني هذا الكلام ان الإفراج عن الاستحقاق اللبناني وخروج الدخان الأبيض من جلسة انتخاب الرئيس في مبنى البرلمان في ساحة النجمة بوسط بيروت وشيكا، ولا يعني أيضا التسليم بانتخاب فرنجية، الا ان الأخير يقف حتى الآن مرتديا السترة الرئاسية، وبات في استطاعته تثبيت عناوين خطاب القسم، من دون إسقاط تسوية قد تحمل منافسه الرئيسي غير المدني، قائد الجيش العماد جوزاف عون، المتأخر عنه بفارق قليل حتى كتابة هذه السطور إلى القصر، في حال مالت رياح التسوية نحو الفريق الدولي.