«الأرشفة» هي عملية ترتيب وحفظ لمقتنيات مكتوبة أو مصورة، وعادة ما يكون الأرشيف قيما وممتعا ومفيدا! لكنها مفردة استحدثت حتى للأفكار والذكريات، كأن نقول فلان «يؤرشف» حوارا أو موقفا، أي يحتفظ به في ذكرياته.
ومن الإعجاز في خلق الإنسان أنه قادر على استحضار الذكرى من كلمة أو حتى من رائحة! وسبحان الله الخلاق العليم.
رغم تباين الناس في قوة ذاكرتهم وتركيزهم، إلا أن الإنسان بطبيعته يقبل على الخير ويحب السعادة، وينفر مما يكدره، لذا يميل إلى تذكر المواقف الجميلة أكثر. لكن لاشك أنك التقيت ببعض البؤساء في حياتك الذين لا تتحفز ذاكرتهم إلا للمواقف الأليمة! في كل مشهد وكل موقع يقص موقفا صعبا مر به ويعود إلى أدق تفاصيله.
الذكريات بكل أنواعها يتشارك بها سكان الأرض جميعا على مر العصور، والألم جزء من المشاعر، وحق للإنسان أن يتألم! لكنه ليس الشعور الوحيد حتى يتصدر الحديث، أو يهيمن على الذاكرة!
إنها لضرورة أن «نعيش الموقف» أو التجربة، ونعطيها وقتها، فتلك حياتنا بفصولها ومراحلها، كما ليس لزاما أن ننسى كل شيء، فليست بطولة أن نشيح بوجوهنا عن الأحداث كأنها لم تكن، إنما البطولة أن نستوعب ما مررنا به وبكل أجزائه، ونرضى بالقدر، ونعمل بصدق ونتوكل على الله في إكمال حياتنا.
ولكن أن نقبع في الموقف، وندور في زواياه، ونسرح في حواراته، ونستحضره باستمرار..؟
هذا الشخص صاحب أرشيف ممل بصراحة، لا يستجلب ذكريات حلوة تجدد الهمة وتبعث على البهجة. يظل يتذمر مما حصل له، ويعيش دور الضحية مرارا وتكرارا ويندب حظه.
هذا الأرشيف الدرامي يحبط النفوس ويعكر المزاج، على الراوي والمستمع. يجعل كل الأطراف يستحضرون ذكرياتهم القاسية المتشابهة بانفعال، وتصبح جلسة يضيق فيها الصدر بدلا من الدعم والفائدة، لأن صاحب الأرشيف السوداوي دائما يكرر الأزمة وكأن الوقت لم يمض! وكأنه يعمل لها «في كل مرة! Update».
عزيزي ملك الأرشيفات المأساوية.. احرق أرشيفك، وغير الصندوق.
[email protected]