جاء في كتب التعريفات أن الخلوة تعني مكان الانفراد بالنفس أو بغيرها.
أيها الودود، إن الخلوة مع النفس رؤية حقيقية للذات بعيدا عن الآخرين، وتحلو الخلوة مع النفس، ويشعر الإنسان بأن قلبه النابض قد يتوقف بأي لحظة وتنتهي الحياة، فلم لا نغتنم حياتنا قبل موتنا ونتفكر في هذا الكون وخالقه العظيم، وبذلك يكون التأثر الإيجابي فيما نهانا عنه. وللخلوة تأثير مؤكد في تعديل مسيرة العبد، ومن هنا كان الاعتكاف محطة يقف فيها العبد لإعادة النظر بحاله مع الله سبحانه ليستدرك ما فاته ويعزز ما عمله من خير. والاعتكاف نوع من الخلوة، وهو سنة مؤكدة وهدي نبوي كريم التزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي صلوات الله وسلامه عليه.
والاعتكاف المسنون هو اعتكاف الروح والجسد إلى جوار الله في خلوة مشروعة تتخلص فيها النفس من أوصار المتاع الفاني واللذة العاجلة. والاعتكاف هو الخلوة الصادقة مع الله، وفيها تفكر بنعمه واعتراف بربوبيته وإلهيته وإقرار بكل حقوقه على العباد والثناء عليه سبحانه بكل جميل ومحمود، ويندرج في ذلك قيام الليل في رمضان وغيره.
وقد كان السلف الصالح يذكرون الله ويناجونه بالمشروع من العبادات كقيام الليل والذكر الدائم لله، فتحصل لهم الطمأنينة والسكينة، قال تعالى: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) (الرعد: 28).
لكن ينبغي أن نفرق بين الخلوة والعزلة، فالخلوة غير طويلة، أما العزلة فهي انقطاع عن الناس وعدم مخالطتهم.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أي الناس أفضل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «رجل يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه»، قال: ثم من؟ قال: «مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله ربه، ويدع الناس من شره» رواه مسلم (1888).
عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم» رواه ابن ماجة (4032).
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «خالطوا الناس وزايلوهم وصافحوهم ودينكم لا تكلمونه» رواه ابن أبي شيبة (5/293) في «المصنف».
ومن فوائد الخلوة بالنفس الجد بذكر الله والتفكر بمخلوقات الله ومحاسبة النفس، فالذكر يطمئن به القلب والتفكر يزيد المعرفة بالله.
قال ابن القيم في (مدارج السالكين 1/152): «المحاسبة تكميل لمقام التوبة والمراد بالمحاسبة الاستمرار على حفظ التوبة».
فالخلوة تجعل النفس السوية تحاسب نفسها وتكون على بينة بما قدم وأخر، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا»، فعلينا بالخلوة بأنفسنا والتفكر.