قال تعالى: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) (المؤمنون: 12).
كانت الصلاة هي الوصية الأخيرة للرسول صلى الله عليه وسلم عند وفاته وخروجه من هذه الدنيا، عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: كان من آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم» حتى جعل نبي الله صلى الله عليه وسلم يلجلجها في صدره، وما يفيص بها لسانه (رواه أحمد).
وهذا يدل على أهميتها في الدين، وإن عدم الخشوع في الصلاة مخل بأثرها الإيجابي العظيم في النفس، عن عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه: أن عمار بن ياسر صلى ركعتين فخففهما فقال له عبد الرحمن بن الحارث: يا أبا اليقظان أراك قد خففتهما قال: إني بادرت بهما الوسواس وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الرجل ليصلي الصلاة ولعله لا يكون له منها إلا عشرها أو تسعها أو ثمنها أو سبعها أو سدسها» حتى أتى على العدد. رواه ابن حبان (1886) وهو صحيح.
والخشوع من أساسيات الصلاة والفلاح بسببها، فعلينا بالخشوع، ففيه القبول والفلاح في الآخرة. وبما أننا في شهر رمضان، وفيه تتأكد صلوات كثيرة غير المفروضة مثل التراويح والقيام ويتفاوت الناس فيها، فمنهم من يصلي في بيته، ومنهم من يختار من المساجد ما يرتاح له، ومنهم من يصليها قائما ومنهم قاعدا، ومهما كانت الأحوال فالواجب علينا أن نؤدي صلاتنا في خشوع تام ويعيننا على ذلك الصيام وما يترك من سكينة على النفس، ومن الطبيعي أن يمتد بنا الأمر إلى أن يكون ذلك من صفات صلاتنا في كل حين.
قال العلامة ابن القيم الجوزية في كتاب «الصلاة» (339): «علق الله سبحانه الفلاح بخشوع المصلي في صلاته فمن فاته خشوع الصلاة لم يكن من أهل الفلاح، ويستحيل حصول الخشوع مع العجلة والنقر قطعا.
بل لا يحصل الخشوع قط إلا مع الطمأنينة وكلما زاد طمأنينة ازداد خشوعا، وكلما قل خشوعه اشتدت عجلته حتى تصير حركة يديه بمنزلة العبث الذي لا يصحبه خشوع ولا إقبال على العبودية، ولا معرفة حقيقة العبودية والله سبحانه قد قال: (وأقيموا الصلاة)، وقال: (الذين يقيمون الصلاة).
وقال: (وأقم الصلاة)، فلن تكاد تجد ذكر الصلاة في موضع من التنزيل إلا مقرونا بإقامتها، فالمصلون في الناس قليل ومقيم الصلاة منهم أقل القليل.
فالعاملون يعملون الأعمال المأمور بها على الترويح تحلة القسم، ويقولون: يكفينا أدنى ما يقع عليه الاسم وليتنا نأتي به ولو علم هؤلاء أن الملائكة تصعد بصلاتهم فتعرضها على الله جل جلاله، بمنزلة الهدايا التي يتقرب بها الناس إلى ملوكهم وكبرائهم، فليس من عمد إلى أفضل ما يقدر عليه فيزينه ويحسنه ما استطاع، ثم يتقرب به إلى من يرجوه ويخافه كمن يعمد إلى أسقط ما عنده وأهونه عليه فيستريح منه ويبعثه إلى من لا يقع عنده بموقع، وليس من كانت الصلاة ربيعا لقلبه وحياة له وراحة وقرة لعينه وجلاء لحزنه وذهابا لهمه وغمه ومفزعا له يلجأ إليه في نوائبه ونوازله كمن هي سحت لقلبه، وقيد لجوارحه، وتكليف له، وثقل عليه، فهي كبيرة على هذا، وقرة عين وراحة لذلك.
وقال تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون) (البقرة: 45 46) فإنما كبرت على غير هؤلاء لخلو قلوبهم من محبة الله تعالى وتكبيره وتعظيمه والخشوع له وقلة رغبتهم فيه فإن حضور العبد في الصلاة وخشوعه فيها وتكميله لها واستفراغه وسعة في إقامتها وإتمامها على قدر رغبته في الله تعالى.
وليس حظ القلب العامر بمحبة الله وخشيته والرغبة فيه وإجلاله وتعظيمه من الصلاة كحظ القلب الخالي الخراب من ذلك.
قال الواعظ:
تُصلِّي بلا قلبٍ صلاة بمثلها
يكون الفتى مستوجبًا للعقوبة
تخاطبُه إيَّاك نعبُد مقبلًا
على غيره فيها لغير ضـرورةِ
وَلَو رَدَّ مَن نَاجَاكَ لِلْغَيْرِ طَرْفَهُ
تَمَيَّزْتَ مِن غَيْظٍ عليه وَغَيْرَةِ
فويلكَ تَدري مَن تُناجيه معرضًا
وبين يدي مَن تَنحني غير مُخبتِ