بيروت - عامر زين الدين
فرضت التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه اللبنانيين عوامل جديدة جعلتها خططا مستقبلية بالنسبة للإدارات التي تعنى بالتنمية وتوفير عناصر الاستدامة للمجتمعات المحلية التي تستفيد من المشاريع القائمة، وتكيفا مع الواقع الراهن، ومنها محمية أرز الشوف الواقعة في جبل لبنان والأكبر بين مثيلاتها على مستوى الوطن، الموضوعة على القائمة الخضراء. وهي تتشارك مع المجتمع المحلي في إدارتها على صعيد الحوكمة السليمة والتخطيط الفعال والتنفيذ الرشيد، الذي يضمن حماية الطبيعة والإنسان، والمراقبة المستمرة للأنواع والموائل، انطلاقا من التكيف مع الأزمات الأخيرة، بدءا من جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية والتحديات الأمنية راهنا.
يتحدث مدير المحمية د.نزار هاني لـ «الأنباء» عن اهمية وجود هكذا مشروع كبير بيئي- سياحي- زراعي، شكل منذ سنوات ملاذا مهما ومصدرا لعيش عشرات العائلات التي تستفيد من وجوده من نواح عدة، وقد لمسنا الحاجة اليه اليوم واكثر من أي وقت مضى، في ظل وطأة الازمات التي تواجه البلد ومع تطور الافكار الجديدة والمشاريع التي تعمل المحمية على تنفيذها بشكل يراعي الحفاظ على البيئة والطبيعة من جهة، ويساعد العائلات المحيطة بالمساحة الجغرافية الواقعة فيها من ناحية ثانية.
أضاف: «ثمة عشرات الآلاف من السياح من عرب وأجانب وخصوصا من دول الخليج، الذين يقيم بعضهم في المناطق المحيطة بالمحمية في الجبل وممن يقصدون الاقامة بالقرب منها، شكلت لهم متنفسا كبيرا، بالنظر إلى عناصر مقوماتها ازاء ما تحويه من تنوع بيولوجي فريد، وتاليا طقسها المعتدل صيفا، وهي ستبقى تعول على حضورهم السنوي، الذي يعطي املا كبيرا نحو المزيد من التطوير والابداع. إلى جانب حضور تلامذة وطلاب المدارس والثانويات والجامعات، لما للأمر من اهمية خاصة بالنسبة للناشئة، لتعزيز ثقافة التمسك بالأرض وبالقيم، واعتبار الطبيعة صديقة دائمة لحياة الانسان. وفي هذا السياق هناك جملة من الانشطة والفعاليات تقام وسط غاباتها وترتكز على غنى تنوعها، لاسيما للفنانين ومصورين محترفين محليين وعالميين يبرزون مشاهداتهم المنوعة على هذا الصعيد».
ولفت هاني في هذا السياق إلى «جهود عدة حصلت، مثل التصدي لعمليات قطع الحطب بسبب الحاجة للتدفئة في الشتاء وتوفير البدائل من خلال «الوقدة البيئية» بتصنيعها من الحطب الناتج عن عمليات التشحيل النموذجية وتوزيعها على الأسر المحتاجة، وبالنسبة إلى الأمن الغذائي دعمت المزارعين لإعادة تأهيل أراضيهم وخاصة المدرجات القديمة وتأمين الدعم باليد العاملة والشتول والتدريبات والإرشاد الزراعي وكذلك «الكومبوست»، الذي يساعد على تخصيب التربة وزيادة قدرتها على الانتاج وحفظ المياه». ولأن المحمية تتميز بهذا التنوع البيولوجي الكبير، ضمنه التنوع الغذائي المتوسطي الصحي، فقد أضاءت من خلال جملة من الأبحاث والدراسات على أهمية النباتات البرية المأكولة والعطرية والطبية، حيث كشف هاني في هذا السياق عن «زرع نبتة العكوب في المدرجات الزراعية، لكي تكون من المحاصيل المستقبلية المهمة، لإعادة تأهيل النظم الأيكولوجية ودعم تنوع النظام الغذائي، وهي تحوي أنواعا من الفيتامينات والمعادن والأحماض الأمينية التي نفتقدها في غذائنا الحالي».
وختم: «رغم الظروف الصعبة التي يعيشها الإنسان في لبنان اليوم، سنستمر في تحدي الصمود اكثر وستبقى محمية أرز الشوف تعمل لإدارة هذا المشهد الطبيعي المتوسطي بطريقة متكاملة، لكي تؤمن حماية البيئة والأمن الغذائي وفرص العمل وتسويق المنتجات والمحاصيل محليا، وبعد 25 سنة من الجهود، تسعى لبيئة نظيفة وسبل عيش كريم لأهلها عبر تامين فرص عمل، وقد باتت مختبرا للتنمية المستدامة، وخير مثال للإدارة الفعالة، من خلال تطبيق الهدف الجديد للمحميات في العالم الذي نص على ضرورة حماية 30% من اليابسة و30% من البحر خلال العام 2030، وهي تخدم بإنصاف المجتمعات المحلية المحيطة بها».