بيروت - جويل رياشي
ارتبطت حكاية مطاعم المأكولات البحرية في لبنان، بنظيراتها في المدن الساحلية المنتشرة في دول حوض البحر الأبيض المتوسط.
تتشابه الطاولات والكراسي، خصوصا في ألوانها الزرقاء والبيضاء، التي ترمز إلى البحر والشاطئ وتمتاز ببساطتها، التي تعكس بدورها حياة الصياد، الذي ينطلق في كل ليلة بمركبه إلى المياه للعودة بصيد يشكل رزقه اليومي، فيتمكن من تأمين قوت عائلته، والإنفاق على مصاريفها المعيشية.
تختلف الأسعار في مطاعم المأكولات البحرية عن غيرها من لوائح الأسعار في المطاعم الأخرى، التي تقدم وجبات مختلفة من المطبخين الشرقي والغربي، إلا أن الابتعاد عن المطاعم الفخمة بديكوراتها العملاقة المميزة، دفع بالكثيرين إلى افتتاح مطاعم «على قد الحال»، شعارها تأمين السمك الطازج وما توافر من ثمار البحر، على قلتها، في الشاطئ اللبناني.
ارتبطت مطاعم السمك بأسماء أشخاص وعائلات، وتلخص فكرتها بـ «مسامك» يديرها في الغالب بحارة، ويعملون فيها بنطاق عائلي، ويتحولون مقصدا للزبائن.
لكن مهلا، من قال إن الأسعار دون تلك المعتمدة في المطاعم الأنيقة بصالاتها ومرافقها؟
ولأن لكل شيء سعره وثمنه، اقتنع الزبائن بأن للجودة سعرها المرتفع، وخصوصا متى كان الشغل عائليا والبضاعة من البحر على الشواطئ اللبنانية، ما يبرر ارتفاع سعرها، كون كمية الصيد من السواحل اللبنانية دون حاجة الاستهلاك بكثير، ما يدفع أصحاب المطاعم ومراكز بيع الأسماك والمأكولات البحرية إلى الاستيراد، سواء بشاحنات مبردة تدخل البلاد عن طريق البر، أو حاويات مخصصة تدخل عبر مرفأ بيروت، وبقية النقاط البحرية على الساحل اللبناني.
ومن البحر إلى نقاط أخرى على الساحل اللبناني، بعيدا من الشاطئ، في الأسواق الداخلية للمدن الساحلية مثلا، كما الحال في جبيل وأنفه وطبرجا وجدرا والجية في ساحل الشوف وصيدا وصور وغيرها. لجأ كل صاحب مسمكة او مجموعة من الصيادين إلى عرض غلته اليومية في تعاونيات صيد الأسماك، إلى تقديم خدمة البيع سواء داخل الصالة الصغيرة للمسمكة، أو بالبيع إلى زبائن يحصلون على الخدمة كاملة لتناول المأكولات في بيوتهم.
الحجوزات يجب ان تكون مسبقة على الهاتف خصوصا في أيام العطل الرسمية والأسبوعية الدورية والأعياد. وتعتمد مراكز البيع على آليات صغيرة تنقل السمك المستورد من تركيا عبر سورية، مرورا ببلدة العبدة الشمالية اللبنانية قرب الحدود البرية- البحرية مع سورية.
أما البعض من أصحاب المسامك الصغيرة، فيصر على بيع المتوافر من غلة الصيادين من سواحل المدن المقيمين فيها. وهذا ما اشتهر به بيار عبود صاحب «سمكة عمشيت» في البلدة الساحلية شمال مدينة جبيل.
بدأ عبود ببيع سندويشات السمك، ثم انتقل توازيا إلى بيع السمك، وتقديم خدمة الأكل في صالة صغيرة في مسمكته التي تقع في منطقة صناعية تضم مجمعا لكاراجات تعنى بتصليح السيارات (حدادة وبويا). وبعدما ذاع صيته في تقديم منتوجات بلدية وأصناف معينة قليلة، بات يقفل يوم الأحد، ويعمل حتى وقت متأخر من بعد الظهر، أي بعد تقديم وجبة الغداء بوقت قليل، اذ يقفل قبل الساعة الخامسة عصرا.
الشيء عينه مع الصياد جرجي الضيعة، أول المبادرين إلى افتتاح كشك لتقديم وجبات بحرية قرب الملاحات في بلدة أنفة الساحلية الكورانية. واشتهر جرجي بتقديم المخللات البحرية، والسمك المعد سلفا والمملح «الفسيخ»، إلى أصناف أخرى طازجة من بحر أنفة، وتحول مقصدا.
الأمر عينه في حالات (ساحل جبيل) مع مسمكة «نبع التفاحة»، المتفرعة من مقهى قديم شهير فوق الموج، كان يقصده الرئيس الراحل سليمان فرنجية لتناول مخللات ملفوف بالثوم معدة بالطريقة البحرية من الجدة المؤسسة مريم التي أطلق عليها لقب «شيخة».
ولا سبيل لعرض حكاية السيدة البترونية ماغي التي بدأت بيع السمك المقلي من شباك منزلها في مدينة البترون القديمة، ثم امتلكت مطعما أسعاره «سبع نجوم»، ويقصده الزبائن من بيروت.
على طول الشاطئ اللبناني، وفي مساحات داخلية أعمق في المدن الساحلية، تنتشر المسامك التي تقدم خدمة البيع في الداخل والخارج إلى البيوت. لم تؤثر هذه المطاعم الصغيرة على تلك الكبرى المعروفة الذائعة الصيت، اذ لكل زبائنه، والناس تحب المأكولات البحرية. باختصار، تحولت المسامك الصغيرة، وسيلة رزق عائلية، وبعدها أصاب شهرة وبحبوحة مستحقة، وحفز البقية على دخول سوق السمك.