بيروت - ناجي شربل:
في كتب التاريخ التي تدرس للتلامذة المسجلين في مدارس علمانية بإدارات أجنبية وغيرها، عرض للحرب الأهلية اللبنانية (13 أبريل 1975 - 13 أكتوبر 1990)، وما سبقها من أحداث هزت لبنان، لعل أشدها في 1958 (الثورة ضد حكم الرئيس كميل شمعون)، ثم المواجهات بين الجيش اللبناني و«الفدائيين» الفلسطينيين التي انتهت بتوقيع اتفاق القاهرة في 3 نوفمبر 1969، واعتباره عدا تنازليا لذلك الأحد في الثالث عشر من أبريل قرب كنيسة سيدة الخلاص في عين الرمانة بساحل المتن الجنوبي قضاء بعبدا.
في الكتب عرض للكيان اللبناني، بعد قيام لبنان الكبير في الأول من سبتمبر 1920 من درج قصر الصنوبر، بضم مدن وأقضية إلى «لبنان المتصرفية». ثم مرحلة الانتداب الفرنسي، والاستقلال بإعلان الميثاق الشفهي غير المكتوب بين رئيسي الجمهورية بشارة الخوري والحكومة رياض الصلح.
في المشاهد التي تمر عدم صمود الكيان، كون البعض راوده الحنين شرقا بالوحدة العربية، والآخر لم يتخل عن النظر إلى الغرب كضامن لوجوده في هذه البقعة الجغرافية.
تبدل أقطاب الحرب الأهلية، وطويت صفحة منظمة التحرير الفلسطينية بخروج قيادتها العسكرية من بيروت بعد الاجتياح الإسرائيلي صيف 1982.
«منظمة التحرير» التي رأى فيها قسم لا بأس من اللبنانيين انها كانت تمثل «دولة داخل الدولة» ثم تخطتها قوة ونفوذا، استبدلت اليوم بجهة لبنانية هي «حزب الله»، وان كانت المقارنة لا تجوز، ذلك ان الحزب حرر الأرض من العدو الإسرائيلي في 25 مايو 2000، وكسر إسرائيل مجددا في حرب يوليو 2006.
إلا ان قسما من اللبنانيين يرون في فائض قوته إضعافا لحضور الدولة، وفي الأمر وجهة نظر لجهة امتلاك الحزب قرار السلم والحرب، وآخر ما حصل دخول الحزب طرفا في الحرب الدائرة في غزة، من يومها التالي في الثامن من أكتوبر 2023، واعتراض قسم كبير من اللبنانيين على ذلك، في طليعتهم «حليف» الحزب وغطائه المسيحي «التيار الوطني الحر».
الدولة اللبنانية تغيب طويلا، وتترك الأمور على غاربها، فتكاد تنفجر كما كاد يحصل ليل الأحد - الاثنين الماضي، بعد خطف منسق حزب «القوات اللبنانية» في قضاء جبيل باسكال سليمان وإعلان مقتله في الأراضي السورية على يد عصابة إجرامية خطيرة. لكن أجهزة الدولة الأمنية تحركت سريعا، وأوقفت المجرمين بسرعة قياسية. وأثبتت ان القرار مطلوب لتثبيت الحضور وفرض هيبة الدولة. قرار يتعزز بقيام المؤسسات الرسمية بعملها وتمكينها القيام بأبسط الأمور، بسد الشغور في مواقعها، وفي طليعتها رئاسة الجمهورية المعطلة منذ 31 أكتوبر 2022.
تمضي البلاد ويسير بقوة أبنائها، متغلبين على انهيار اقتصادي وسقوط القطاع المصرفي، وفتح الأسواق المالية أمام «الاقتصاد (النقدي) الكاش»، وما يمثله ذلك من تضارب مع النظام النقدي العالمي، وخصوصا مكافحة تبييض الأموال.
تمضي البلاد بلا بنى تحتية، وخدمات صحية وتعليم وتأمين تقاعد يحفظ كرامة العاملين في القطاع العام. وتسير الأمور بالاعتماد على المبادرات الفردية، وتحويلات المغتربين في بلدان الانتشار، والمقيمين في دول الخليج.
ومع ذلك يستمر لبنان نقطة جذب، حتى ولو غاب السياح العرب والأجانب. ويتم التعويض بأبناء البلاد الذين ينشطون السياحة الداخلية، ومن يحضر من المغتربين لتمضية الإجازة في ربوع الوطن، فينعشون الاقتصاد القائم أساسا على الخدمات.
في كل ذكرى لـ 13 أبريل استذكار لواقعة «البوسطة» في عين الرمانة، واشتعال لبنان. وهذا ما أشير إليه في الكتب المدرسية عن مفاصل الحرب، وقسمتها على «حرب السنتين»، ثم الاجتياح الإسرائيلي الأول في 1978، وقبله دخول «قوات الردع العربية» بغالبية من الجنود النظاميين السوريين، ثم الاجتياح الإسرائيلي الكبير في 1982، ودخول الجيش الغازي أول عاصمة عربية. إلا أن بيروت قاومت وطردت المحتل سريعا بسلسلة عمليات للمقاومين من «جمول» (جبهة مقاومة وطنية لبنانية). بعدها صارت المقاومة محصورة بـ «حزب الله» وحملت اسم المقاومة الإسلامية. وكانت حروب داخلية في «البيروتين» وصولا إلى فراغ رئاسي في نهاية عهد الرئيس أمين الجميل في 23 سبتمبر 1988، ليلة غادر قصر بعبدا موكلا إدارة الأمور إلى حكومة عسكرية برئاسة العماد ميشال عون.
بعدها أيضا كانت «حرب التحرير» التي شنها عون ضد الجيش السوري في 14 مارس 1989 والتي انتهت بتوقيع اتفاق الطائف في 1989، وتلتها «حرب توحيد البندقية» (31 يناير 1990) التي أسمتها «القوات اللبنانية» حرب «الإلغاء»، وصولا إلى دخول القوات السورية المنطقة الشرقية وإطاحة العماد عون في 13 أكتوبر 1990. ومنذ ذلك التاريخ إلى 14 فبراير 2005 أوكلت إدارة البلاد رسميا إلى سورية، إلى ان سقط الرئيس رفيق الحريري شهيدا، ما أدى إلى خروج الجيش السوري في 26 أبريل 2005.
وفي تلك الفترة خاضت البلاد أحداثا عدة، أولها بداية عام 2000 بأحداث الضنية من قبل مجموعات إرهابية، ثم أحداث مخيم نهر البارد في أبريل 2007 من قبل «فتح الإسلام»، و7 مايو 2008 بتحرك لـ «حزب الله» في الداخل اللبناني، والحرب من تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» في البقاع الشمالي اعتبارا من الأول من أغسطس 2014، وصولا إلى تحرير الجرود اللبنانية من «داعش والنصرة» في 2016.
اجتازت البلاد أزمات كانت أكبر من أحداث وأقل من حروب. وفي كل ذلك، يجهد جيل الحرب الذي خاضها أو عاش فيها، للتوعية من خطرها. في حين يمضي الجيل الجديد، معتبرا إياها لعبة لا تختلف عن لعب الأطفال.