(كلمة بحق جدي عبدالرزاق بوقريص - رحمه الله)، فلم أكن أريد أن أمسك القلم، ولا أن أعمل الفكر، ولا أن أخرج الكلمات في رثاء من رحل ولكنه رحل.
رحل عنا بجسده، وبقي ذكره الذي امتد عبر السنين، فالسنوات كانت كفيلة بحفر اسمه في قلوبنا، وذكره على ألسنتنا، وأفعاله كانت هي الأثر.
نعم الأثر هو الذي يبقى بعد أن تبلى الأجساد، وتمحى الأسماء، وتندثر الذكريات، فلا يخلد من الراحلين إلا أثرهم، ولا يبقى منهم غير طيب فعلهم.
الفعل الطيب كان هو الصفة التي تفرد بها جدي عن غيره، وتميز بها عمن سواه، من عرفه أحبه، ومن جالسه ألفه، ومن استأنس به آنسه، ومن طلبه أجابه.
نعم أجابه، إذ كان جدي، رحمه الله، يسعى في حاجة الفقير والمسكين والمحتاج والضعيف، فهو يقف مع من يعرف ومن لا يعرف، ويساعد الجميع، لذلك أحبه الجميع.
نعم أحبه الجميع، فالأبناء والأحفاد والجيران والأصدقاء كل كان يحظى بمنزلة ومكانة عنده، فهو يربت على أكتافنا، ويحمل همومنا، ويتفقد أحوالنا، فأفراحنا أفراحه، وأحزاننا أحزانه.
نعم أحزانه، كان جدي سريع الدمعة، يشتد حزنه لمرض الغريب والقريب، وتنزل دمعته إذا وصل إليه خبر موت صديق أو أحد من الأقارب.
حل الموت به، ونزل عليه قضاء الله عز وجل، ولكن حلت الفاجعة علينا، ونزلت المصيبة بنا، فالأموات لا يعودون لنستدرك ما فات من تقصيرنا بحقهم، وبفقدانهم يتركون فراغا كبيرا وفجوة عظيمة لا يملؤها ولا يسدها شيء.
لما نزل الموت بإبراهيم ابن الرسول صلى الله عليه وسلم حزن عليه، ولكن لم يقل إلا حقا، يقول في ذلك أنس بن مالك: «لقد رأيته وهو يكيد بنفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون». (صحيح مسلم).
ونحن نقول تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، والله يا جدي إنا بك لمحزونون.
الكلمات المعبرة بالمناسبات السعيدة تجلب السعادة والفرح، والكلمات المعبرة بالمناسبات الحزينة تجلب الهم والحزن، ولكن..!
«رحل جدي» كلمة كانت ستأتي طال الزمن أو قصر، ولكن قسوتها على النفس شديدة، وصعوبتها على القلب كبيرة، لكم وددت أني بالجوار حتى أعزي نفسي بمن يحمل همي، ويشاركني أحزاني، تقول الخنساء في رثاء أخيها صخر:
ولولا كثرة الباكين حولي
على اخوانهم لقتلت نفسي
وأعلم أن الحياة إما راحلون عن أو راحلون من، إما أن نرحل قبل فيعزى بنا، وإما نرحل بعد فنعزى بهم.
كلمات خرجت وكتبت وسطرت بحق من له حق علينا، أرجو أن يطول دعاء من قرأها لمن كتبت في حقه، وأن تبقى ذكراه العاطرة مخلدة في أذهاننا، فالأموات أحياء بقلوب محبيهم.
[email protected]