بيروت ـ منصور شعبان
الحرب ليست رحلة سياحية، لا بل هي دمار مجتمع بكامله، ويحاول اللبنانيون نسيانها لشدة ما عانوا من بشاعتها، لكن للذاكرة فعلها الدامغ تسجيلا وتصويرا.
في تلك الأيام كانت النار تعصف ببيروت وجبل لبنان بشكل أكبر من بقية المناطق. وعند كل قذيفة تسقط أو انفجار يدمر مبنى على من فيه محدثا دخانا أسود كانت في المواجهة جرأة المصورين الصحافيين الذين التقطوا بعدساتهم أبشع اللحظات، غير آبهين لخطر محدق. منهم من غادر المهنة ومنهم من بقي على عهدها.
الزميل المخضرم بمكتب «الأنباء» في بيروت منذ 1979 الزميل المصور محمود الطويل رافق الحرب الأهلية اللبنانية مع بدء عمله الصحافي عام 1977.
حاليا هو مستشار في نقابة المصورين الصحافيين، وعضو اتحاد المصورين العرب في لبنان التابع لجامعة الدول العربية، يقول إنه غطى بعدسته الحرب بين أحزاب لبنانية متخاصمة في بيروت، التي انقسمت حينذاك إلى منطقتين سميتا «بيروت الشرقية» و«بيروت الغربية».
ووثقت عدسته أشد أنواع الحرب فتكا في ساحة البرج (ساحة الشهداء) بوسط بيروت، والتي دمرتها الحرب وأعيد بناؤها.
ويروي الطويل (عمل في «الأنوار» بين 1977 و1990، ثم في «النهار» بين 1991 و2015) كم كانت مهمة المصور الصحافي صعبة وشائكة وخطرة في آن معا، بين المتحاربين الذين كانوا لا يميزون بين الحجر والبشر، أصعب الصور التي التقطتها عدسته خلال الحرب كانت للجثث المتفحمة وأنين الجرحى والدمار الهائل ونزوح السكان من مناطقهم. ويقول «كان المشهد قاسيا ومؤلما. ومن لم يعش تلك الأيام في ساحات القتال لا يعرف معنى الحرب والخراب الذي ينتج عنها دمار وتشريد واحتراق للأرزاق».
مجازفات كبيرة عرفتها عدسة الزميل الذي واكب دخول «قوات الردع العربية» إلى بيروت ثم الاجتياح الإسرائيلي في 1982، إلى تصوير مؤتمرات عربية ومرافقة اللجان الأمنية لوقف الحرب حينذاك.
كان الطويل يحمل كاميرته في يد وحياته في اليد الأخرى، سعيا إلى تصوير ميدانيات الحرب اللبنانية التي شهدها. وقد نجا بأعجوبة من الموت مرات عدة بالقصف المدفعي أثناء تصويره المشاهدات. وذكر أنه خلال فترة عمله أثناء الحرب الأهلية في الفترة بين 1977 و1990 صور انتخاب رؤساء الجمهورية بشير الجميل وأمين الجميل (في المدرسة الحربية بالفياضية) ورينيه معوض (مطار القليعات في شمال لبنان) وإلياس الهراوي (بارك أوتيل ـ شتورة)، وبعدها انتخاب الرؤساء اميل لحود (1998) وميشال سليمان (2008) وميشال عون (2016) في مبنى البرلمان بساحة النجمة وسط بيروت.
وبعد انتهاء الحرب الأهلية عام 1990 تابع الطويل نشاطه الصحافي، وواكب خروج الجيش الإسرائيلي من لبنان في 25 مايو 2000، ثم سارع لالتقاط الصور الأولى بعد ظهر الاثنين 14 فبراير 2005 إلى محيط فندق «السان جورج»، للانفجار الذي استهدف موكب الرئيس رفيق الحريري. ثم غطى مجريات حرب يوليو الإسرائيلية في 2006، واشتباكات 7 مايو المحلية في بيروت عندما سيطر مقاتلون من «حزب الله» و«حركة أمل» على مراكز «تيار المستقبل» في العاصمة، إلى غيرها من الحوادث الأمنية، وصولا إلى «انفجار العصر» في مرفأ بيروت 4 أغسطس 2020، وآخرها الحرب الإسرائيلية الدائرة رحاها على أرض الجنوب وامتدادها بغارات جوية إلى مناطق أخرى منذ 8 أكتوبر 2023.
نال محمود الطويل جوائز عدة وشهادات تقدير من وزراء إعلام لبنانيين سابقين، إلى درع تكريمية في احتفال «اليوبيل الذهبي» من نقابة المصورين الصحافيين في لبنان.
وعلى غرار الطويل، تفانى الزميل جوزف فضول، مصور «دار الصياد للصحافة والطباعة والنشر» منذ 1977 حتى إقفال الدار، في تغطيته للحرب اللبنانية. وروى انه التقط ذات مرة صورة أعجبت أحد رئيسي تحرير صحيفة «الأنوار» ميشال رعد، فتصدرت الصفحة الأولى وأعطاه ذلك دفعا معنويا. ثم اتصل به مدير التصوير وقتذاك في وكالة «أسوشييتد برس الأميركية» الزميل زهير سعادة، طالبا منه إرسال الصورة المنشورة في الصحيفة لنشرها وتوزيعها عالميا، وقد تركت أثرا عظيما في نفسه.
ويرى فضول أن الحرب اللبنانية «فرضت على اللبنانيين وكانوا وقودا لها، فتقاتل الأخ مع أخيه والجار مع جاره، ودمرت حضارة راقية وبلدا كان درة الشرق في العلم والثقافة والنمو».
أكثر ما آلمه سقوط الضحايا الأبرياء ودمار بلده وضياع مستقبل شبابه «الذي انجر بأغلبيته نحو تلك الحرب طلبا للحماية ولقمة العيش، بعد تدمير غالبية بنية بلده».
وأضاف أن همه كان أن يرى العالم حقيقة ما يحدث من قتل ودمار لبلده، وكان يركز في صوره على معاناة شعبه «وكيف أصبح وقودا لمؤامرات تستهدف المنطقة».
غطى فضول بعدسته الحرب اللبنانية بكل تفاصيلها، وحصل على جوائز وتنويهات عدة من وكالات محلية وعربية وعالمية. وحاز الجائزة الأولى لأفضل صورة صحافية في لبنان عامي 1994 و1996، وله كتاب عنوانه «ماذا بعد» عن الحرب اللبنانية مع الصحافي نعيم شقير.
المصور رمزي حيدر الشاهد الحي على يوميات الحرب الأهلية بكل تفصيلاتها والاعتداءات الإسرائيلية وأهمها الاجتياح الإسرائيلي ومجزرتا صبرا وشاتيلا في سبتمبر 1982، اختصر القول وعبر عن حقيقة «أن الحرب الأهلية تركت ترسبات عميقة في المجتمع اللبناني».
وعرض حيدر مؤسس «دار المصور» وجمعية «مهرجان الصورة ـ ذاكرة»، والذي عمل في جريدة ومجلة «بيروت المساء» ووكالتي «رويترز» و«فرانس برس» والحائز جوائز عالمية عدة، عرض لـ «الأزمة المستمرة من 1975 حتى اليوم، ناهيك عن الانقسام الطائفي والمذهبي والأزمة الاقتصادية والانهيار الذي بلغته، إضافة إلى الأزمة السياسية على امتداد 45 عاما، والتي طال تأثيرها السلبي كل المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية.. لا توجد خطوط تماس مباشرة، لكن هناك خطوط تماس لم تتم إزالتها لدى الشعب اللبناني حتى اليوم، وهذا كله من نتائج الحرب».
وقال «أبرز الأحداث التي غطيتها الحرب اللبنانية من 1979 إلى نهايتها (1990)». ورأى أن الحرب اللبنانية «لاتزال مستمرة بشكل غير مباشر، كما غطيت الحرب في العراق ودارفور بالسودان».