مع كل تجدد للصراع العربي ـ الإسرائيلي، ومنذ العدوان على قطاع غزة، تناولت استطلاعات الرأي السؤال حول المسؤول عن بدء الصراع، وأي أطراف منها ينبغي أن يُلقى اللوم عليه. وبالطبع، يلقى أكثر اللوم على الطرف الفلسطيني إذا كان قد بدأ بالاعتداء، حتى لو ألقى حجرا على مستوطن سرق أرضه وبيته فما بالكم بسبعة أكتوبر! أما العرب، فينقسمون بين من يلوم المقاومة وبين من يعتبرها حقا مشروعا، خاصة حينما يستمر الاحتلال بتوسيع نفوذه وضغوطه على الشعب الفلسطيني. وفي مقابل ذلك، يغيب السؤال في استطلاعات الرأي الأميركية عن الاحتلال الإسرائيلي، الذي يعتبر الهم الأول للفلسطينيين، ومعه الحصار بالنسبة لأهل قطاع غزة. وهكذا، لا يعطى الاحتلال الاهتمام الكافي بخطورته وعلاقته بالأحداث والمجازر المستمرة، مثل العدوان الحالي على غزة منذ ما يزيد على 200 يوم. ولكن في سياق استطلاعات الرأي العربية، فإن الحال أفضل، حيث يدرج السؤال حول الاحتلال الإسرائيلي في بعض المشاريع، وكانت نتائجه مهمة ويجب تكرارها لفهم المأساة التي وصل إليها قطاع غزة قبل 7 أكتوبر 2023.
تناول استطلاع الباروميتر العربي ـ جامعة برنستون ـ الدورة السابعة، الذي ينفذ في أكثر الدول العربية ومنها في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال الفترة ما بين 14-23 أكتوبر 2021، مجموعة متنوعة من القضايا، وطلب من المشاركين في الاستطلاع تقييم مختلف التهديدات المحتملة للأمن القومي الفلسطيني، بعد أن طرحت عليهم ست تهديدات محتملة. فأظهرت النتائج أن 86% يعتبرون الاحتلال الإسرائيلي تهديدا حاسما، فيما رآه 7% مهما لكن ليس حاسما، وعلى حين اعتبره 7% غير مهم. وعلى مستوى المناطق، اعتبر 86% من المشاركين من الضفة الغربية الاحتلال الإسرائيلي تهديدا حاسما، في مقابل 70% من المشاركين من قطاع غزة ممن يرون ذلك.
وفي الاستطلاع الذي أجراه مركز العالم العربي للبحوث والتنمية (أوراد) في الضفة الغربية وغزة، ما بين 31 أكتوبر و7 نوفمبر 2023، والذي تزامن مع الغزو البري لقطاع غزة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، قال 98% بأنهم لن ينسوا ولن يغفروا العدوان على غزة. ورأى 90% أنه لا فرصة للتعايش مع الإسرائيليين بعد هذه الحرب. كما يعتقد 89% أن لهجوم حماس في 7 أكتوبر أسبابا تاريخية ومتعلقة بالعدالة للشعب الفلسطيني. وحول العوامل التي دفعت حماس لقيادة الهجوم ضد إسرائيل، فإن 35% يرون أن العامل الرئيسي هو الاعتداءات المستمرة على القدس عامة والأقصى خاصة، بينما يرى 33% أن العامل الرئيسي هو عدم حل القضية الفلسطينية واستمرار الانتهاكات ومصادرة الأراضي، بينما اعتبر 21% أن حصار غزة والظروف التي يعيشها سكان القطاع لعقود العامل الرئيسي.
وعلى مستوى العالم العربي، فقد أظهر استطلاع «اتجاهات الرأي العام العربي نحو الحرب الإسرائيلية على غزة»، الذي أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ما بين 12 أكتوبر 2023 و5 يناير 2024، وشمل الكويت بالإضافة إلى كل من موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر والسودان واليمن وعمان وقطر والسعودية والعراق والأردن ولبنان والضفة الغربية في فلسطين، أن 35% يعتبرون «استمرار احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية» أهم الأسباب التي دفعت حماس إلى القيام بهجومها في 7 أكتوبر الماضي، بينما رأى 24% أن أهم الأسباب هو «الدفاع عن المسجد الأقصى»، و8% يرونه «استمرار الحصار على قطاع غزة».
ورغم التباين الذي تظهره بعض النتائج، فإنها توضح أن الأغلبية الساحقة ترى في الاحتلال الإسرائيلي التهديد الأكبر، وهذا يعتبر أحد أهم الجوانب الإيجابية في نشر الرواية الفلسطينية، رغم المعاناة والألم. ولذا، فقد أصبحت تسمع من العبارات المتداولة في مظاهرات العالم الغربي الداعمة لفلسطين: «لابد للاحتلال أن ينتهي» The occupation must have to go، وهو يتماشى مع مجريات الواقع ويعكس العدالة والمنطقية، ويظهر معاناة الشعب الفلسطيني المستمرة على مدى 75 عاما، وليس فقط منذ 7 أكتوبر 2023، كما يحاول البعض الإصرار على تصويره ونشره.
[email protected]