يحكى ان رجلا كان يمتطي صهوة جواده، وفي طريقه وجد رجلا أنهكه التعب من السفر، فأراد ان يساعده في الوصول إلى أقرب قرية في طريقه، فنزل عن حصانه وأركب هذا الرجل الغريب، وأثناء سيرهما بالطريق هرب الرجل بالحصان فناداه قائلا: الحصان لك لكن لا تخبر أحدا بما فعلت حتى لا تموت النخوة في قلوب الرجال.
وفي مكان آخر منفصل عن هذه القصة كان هناك قائد لقافلة إبل تجوب الصحاري الشاسعة، فسقط أحد الإبل ونفق على الفور، فأمر قائد القافلة بتوزيع حمولة هذا البعير على إبل القافلة لحملها، وبعد تفريغ حمولة هذا البعير وجد خنجرا يطعن بخاصرة البعير بعد ان اخترق الوعاء الذي وضع به، فبكى قائد القافلة بكاء مريرا ولامه من معه على البكاء بهذه الطريقة بسبب نفوق هذه البهيمة.
فرد عليهم قائلا: أنا لا أبكي على البعير، بل أبكي على الرجال الشرفاء الذين يتألمون بشدة مما يعانونه ولا يشكون لأحد عما بداخلهم.
تلك هي الأعراف والقيم والمبادئ العربية التي كانت تشكل روح الشريعة والقانون العرفي في الجزيرة العربية قبل الإسلام، وقد امتدحها الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: «جئت لأتمم مكارم الأخلاق».
وقد صدق الشاعر الكبير أحمد شوقي حين قال:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
فالأخلاق هي أساس قوة الأمم والشعوب وسر تقدمها وبقائها. والأخلاق تعتبر تاج القيم والمبادئ، وقد حث عليها الإسلام، إذ ورد في حديث صحيح للرسول محمد صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا». رواه الترمذي.
فهذا الإرث العظيم لأبناء الجزيرة العربية لابد ان يدرس في المدارس كمنهج منفصل عن المناهج الأخرى، ذلك لأنه يشكل العمود الفقري في بناء شخصية الفرد في الجزيرة العربية قبل الإسلام وبعد الإسلام، واليوم يمكننا استثماره في تحديد معالم شخصية الأجيال القادمة من خلال تنقية شخصية الفرد من الشوائب غير الأخلاقية التي علقت بها بعد ان استمدتها من نفايات السلوكيات الفكرية اللا أخلاقية في بعض وسائل التواصل الاجتماعي، حتى نوجد قادة في مختلف المواقع يحملون مشعل النهضة.
ومما لا شك فيه أن العلاج موجود لهذه المشكلة وخصوصا إذا كان هذا العلاج مدعوما بقرارات من سلطات الدول المهتمة بذلك، إذ إن الحل يكمن في إعادة البناء الأخلاقي من جديد، ومن ثم يستبدل هذا التشتت والفراغ في شخصية الفرد إلى فكر سليم نافع وبانٍ للحضارة على أيدي أبنائها، أي أبناء الجزيرة العربية الذين يمكن ان ينطبق عليهم فيما بعد ما يطلقه عليهم مسلمو الشرق الأقصى من أنهم أبناء صحابة.