يتوجه البريطانيون في 4 يوليو المقبل إلى مراكز الاقتراع في انتخابات تشريعية يرجح أن يحقق العماليون فيها فوزا كاسحا، واضعين حدا لحكم المحافظين المستمر منذ 14 عاما والذي شهد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الاوروبي «بريكست» وتقلبات اقتصادية وفضائح سياسية.
ويتقدم العماليون نحو عشرين نقطة منذ أشهر في استطلاعات الرأي، ما يبدد الترقب بالنسبة لنتيجة الانتخابات، بعد حملة باهتة تمحورت حول الاقتصاد والصحة الهجرة.
وحرص العمالي كير ستارمر، المحامي السابق والرئيس السابق للنيابة العامة البالغ 61 عاما والمتحدر من أصول متواضعة، على تفادي أي خطأ أو هفوة، إلى حد بدا أنه يفتقر إلى الجرأة، بمواجهة رئيس الوزراء ريشي سوناك، مصرفي الأعمال السابق البالغ 44 عاما والذي يقال عنه إنه أكثر ثراء من الملك تشالز الثالث، والذي خاض حملة عسيرة.
يبدي البريطانيون من جميع أنحاء البلاد استياءهم حيال لوائح الانتظار الطويلة في نظام الصحة العامة، وتراجع الخدمات العامة وتردي البنى التحتية.
وقال فرانك هاسلام المتقاعد السبعيني لوكالة فرانس برس «كل شيء تدهور، لا أرى أي خير للمستقبل في هذا البلد».
وبعد وصوله إلى قيادة حزب العمال قبل أربع سنوات إثر هزيمة الحزب الانتخابية بقيادة اليساري جيريمي كوربن، عمل ستارمر على إعادة تركيز الحزب في الوسط وعلى تطهيره من معاداة السامية التي اتهم سلفه بالسماح بانتشارها.
ويتسم ستارمر بالجدية لا بل الصرامة ولا يثير الحماسة التي بثها توني بلير عام 1997، وهو يعد بـ«التغيير» بعد «الفوضى والانقسام» اللذين يتهم المحافظين ببثهما منذ تسلمهم السلطة عام 2010، مع تعاقب خمسة رؤساء حكومة على السلطة.
وفي ظل سياسة التقشف الشديدة المتبعة في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008، دعا رئيس الوزراء في حينه ديفيد كامرون عام 2016 إلى الاستفتاء الذي أدى بعد سنوات من الخلافات والانقسامات إلى خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوربي.
ثم خلفته تيريزا ماي التي أطاح بها عجزها عن الحصول على اتفاق طلاق مع الاتحاد الأوروبي يوافق عليه البرلمان، وبعدها بوريس جونسون الذي حقق «بريكست» واعدا بعصر ذهبي جديد.
لكن بعد تسجيله انتصارا غير مسبوق منذ مارغريت ثاتشر في انتخابات ديسمبر 2019، اضطر رئيس بلدية لندن السابق إلى الاستقالة مع تراكم الفضائح. وخلفته ليز تراس التي لم تستمر ولايتها سوى 49 يوما، بعدما تسببت خططها في إقرار تخفيضات ضريبية بدون تأمين تمويل لها ببث الذعر في الأسواق المالية، ما أدى إلى انهيار قيمة الجنيه الإسترليني.
وسعى ريشي سوناك عند وصوله إلى السلطة في أكتوبر 2022 لترتيب الوضع والنهوض بالحزب، لكنه بدا وكأنه وقع في فخ وعوده، مثل وعده بطرد مهاجرين إلى رواندا أو وضع حد لتوافد المهاجرين غير القانونيين في قوارب صغيرة عبر بحر المانش.
واستفاد من تحسن طفيف في الوضع الاقتصادي بعد أزمة كلفة المعيشة، فتعهد بالدعوة إلى انتخابات في الصيف بدل الخريف.
غير أن صعوبات عديدة اعترضت حملته، ما بين إدراك معسكره نفسه بأن كل ما بإمكانه القيام به هو السعي للحد من حجم الأضرار، وفضيحة الرهانات غير القانونية على تاريخ الانتخابات.
وإن كان فوز كير ستارمر يبدو مؤكدا، إلا أنه لا يزال هناك بعض العوامل غير المحسومة.
فهل يتوجه الناخبون للإدلاء بأصواتهم إن بدت النتيجة محسومة؟
وينصب الاهتمام على نتائج حزب «إصلاح بريطانيا» المعادي للهجرة، وهو الأكثر يمينية بين أحزاب بريطانيا، مع احتمال فوز زعيمه نايجل فاراج الذي تصدر حملة بريكست بمقعد في البرلمان بعدما فشل سبع مرات من قبل.