بيروت - زينة طبّارة
قال المحلل في الأمن الاستراتيجي العميد المتقاعد ناجي ملاعب في حديث إلى «الأنباء» إن كل الحروب عبر التاريخ انتهت بجلوس المتحاربين إلى طاولة المفاوضات.
وأضاف: «الحروب من حيث التوصيف المجازي، ممارسة سياسية إنما بوسائل أخرى، أي انه عندما توصد الأبواب أمام المساعي والحلول الديبلوماسية تمارس الحروب، والعكس صحيح. فعندما لا تصل ميادين القتال إلى نتيجة، يعود الجميع إلى الطاولة السياسية لإبرام تفاهمات وتسويات تسكت آلة القتل والدمار. وهذا ما ينطبق اليوم في كثير من الجوانب على الحرب الإسرائيلية ضد غزة، التي لم تؤد الغرض منها لأي من الأطراف المتقاتلة، الأمر الذي قدم لغة التسوية على لغة القتال العقيم».
ولفت ملاعب إلى ان عناصر الحرب الإقليمية الشاملة بدأت تتهاوى لمصلحة التسوية، «فإسرائيل وبعد 9 أشهر من المنازلة العسكرية ضد حماس في غزة وحزب الله في جنوب لبنان، لم تتمكن من تسجيل انتصار يذكر على أرض الواقع، وما عاد أمامها سوى الذهاب مرغمة إلى تسوية لإنهاء الحرب، الأمر الذي إن أكد على شيء، فعلى انه لا الحكومة الإسرائيلية الحالية ولا الحكومات المقبلة ستتمكن مستقبلا من العودة إلى الخارطة السياسية التي رفعها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في سبتمبر 2023 أثناء خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومفادها (أرض إسرائيل من النهر إلى البحر)، وذلك بسبب عجز الجيش الإسرائيلي عن تحقيق أي انتصار والإيفاء بوعده بإنهاء المقاومة الفلسطينية».
أما لجهة الميدان الجنوبي في لبنان، فاعتبر ملاعب «ان حزب الله نجح فعليا بإشغال العدو شمال فلسطين، ما يعني من حيث الأبعاد السياسية لنجاحه، انه رسخ ليس فقط الدور الإيراني في المنطقة، انما ثبت أيضا وجوده كقوة عسكرية لا يستهان بها في المعادلات الإقليمية، علما ان التسوية المرتقبة قد تلغي دورا كبيرا لإيران في المنطقة العربية، مقابل إلغائها سلسلة طويلة من الطموحات الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية».
وردا على سؤال، أكد ملاعب «ان منطق لا غالب ولا مغلوب» في التسوية المرتقبة، يخالف عمليا الوقائع على الأرض. فالإسرائيلي وعلى رغم لجوئه في غزة إلى لغة الدمار الشامل والإبادة الجماعية وقطع النفس عن الفلسطيني، إلا انه فشل عمليا في إنهاء حماس وتحرير الأسرى. وكذلك فشل من جهة ثانية في إغلاق نافذة الإسناد التي فتحها حزب الله من جنوب لبنان، لا بل تلقف جديا تهديد الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله بقوله: ان وسعتم وسعنا. وهذا ما ترجمه الحزب عمليا باستهداف عكا والجولان مقابل استهداف المسيرات الإسرائيلية لمدينة بعلبك، ما يعني ان إسرائيل خسرت الرهان تجاه شعبها، وهذا ما يدحض بقوة مقولة لا غالب ولا مغلوب».
وتابع ملاعب في سياق رده قائلا: «التسوية قادمة حتما لكنها لا تعتمد بأبعادها الإقليمية والسياسية، لا على وصول إصلاحي إلى السدة الرئاسية في إيران، ولا على نجاح اليمين المتطرف في أوروبا في الوصول إلى المشاركة بالسلطة. فاعتلاء الإصلاحي مسعود بزشكيان في إيران المنبر الرئاسي ينم عن تكتيك حكيم من قبل المجلس الأعلى للأمن القومي وعلى رأسه المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي. صحيح ان الرئيس الإيراني يقود البلاد، لكن القرار النهائي في تحديد المسارات الداخلية والخارجية يعود إلى الحرس الثوري وحده لا غير»، ما يعني من وجهة نظر ملاعب «ان التسوية المرتقبة صياغة أميركية مدموغة ببصمات عربية، وتحمل على متنها وبين سطورها موافقة إيرانية خامنئية»، وبالتالي إلى مرحلة جديدة من الاستقرار في المنطقة در.