بيروت - زينة طبّارة:
كادت حادثتا برج حمود يومي الجمعة والسبت 12 و13 الجاري، أن تكونا الشرارة التي ستمتد كالنار في الهشيم، لولا حكمة العقلاء من فعاليات سياسية وحزبية وبلدية، وسرعة الأجهزة العسكرية والأمنية في قطع دابر الفتنة، ومنعها أن تطول بتداعياتها مناطق أخرى، حيث ينتظر تنين الفتن فرائسه.
ففي الضاحية الشمالية لبيروت، حيث تطوف الخصوصية من الطائفة الأرمنية فوق شوارع وأزقة تفتقر إلى الكثير من مقومات الحي المثالي، وحيث تخترق العمالة الأجنبية مجمعات وأبنية سكنية فقيرة، شاء البعض إشعال فتنة، لو انطلقت شرارتها لن يتمكن المقبل من السنين إطفاء محركاتها، إلا أن حكمة الحكماء فرضت كلاما ووضعيات من نوع آخر.
وللإضاءة على ما حصل، التقت «الأنباء» رئيس بلدية برج حمود مارديك بوغوصيان، الذي تناول الحادثة بسردية مجردة. وقال: «برج حمود منطقة صناعية وتجارية وسكنية في آن، وتعكس صورة لبنان بتنوعه الديني والحزبي، إضافة إلى أنها تستضيف مجموعات أجنبية إما نازحة، وأبرزها من الجنسية السورية، وإما عاملة من جنسيات أفريقية مختلفة، الأمر الذي ميزها من حيث العقد الاجتماعي عن غيرها من المناطق اللبنانية، مع احتفاظها بالخصوصية الأرمنية ذات النكهة الحادة، علما ان البلدية لا تتهاون في موضوع المقيمين من الأجانب بشكل مخالف لقانون الإقامة والعمل، ولا في أصول تنظيم عقود الإيجارات على اختلاف أنواعها، وكذلك الاستثمارات أيا تكن أحجامها وأنوعها.
لكن ما حصل يوم السبت الماضي كاد يخرج المنطقة عن طابعها المعهود. وبدأ المشهد المقلق باصطدام عربة «توكتوك» برجل مسن كان مخمورا وغير مدرك لحواسه وتصرفاته، الأمر الذي تطور إلى تلاسن حاد استدعى تجمهر بعض الشبان من الطائفة الشيعية الكريمة المعروفين بما يسمى قبضايات الحي (...)، والموصوفين بأعمالهم الخارجة على القانون من فرض خوات وتعديات على شبكة الكهرباء والمياه والأملاك العامة (...) وقد حاولوا الاعتداء لفظيا وجسديا على المسن، ما أدى إلى تدافع وتضارب مع شبان آخرين تجمعوا أساسا في محاولة منهم لفض الأشكال.
إلا ان خدمة تطبيق «واتساب» آلت إلى تجمع المزيد من الشبان (وصفهم رئيس البلدية بكلمة أخرى)، فتطور الأمر إلى حد الاعتداء بكل وعي وإدراك وسط صيحات مذهبية أمام كنيسة السيدة للأرمن الأورثوذكس، وإطلاق السباب والشتائم بحق الطائفة الأرمنية. وقيل لاحقا إن الشتائم تحولت إلى طائفية ناهيك عن محاولة الشبان اقتحام نادي «نيكول تومان» العائد لحزب «الطاشناق»، إلا انهم فشلوا في الدخول إلى الكنيسة والنادي نتيجة تدخل الأجهزة العسكرية والأمنية إضافة إلى تدخل بعض الجهات الحزبية والسياسية».
وأضاف: «الجميع في محيط محطة طراد حيث وقع الإشكال، يعلم أن المعتدين على الكنيسة والنادي لا ينتمون انتسابا لا إلى حزب الله ولا إلى حركة أمل، لكنهم في حقيقة الأمر من البيئة الحاضنة للثنائي، وقد أثاروا بفعلتهم أجواء مذهبية وطائفية استفزت المجتمع الأرمني. ومن واجب حزب الله وحركة أمل بالتالي أن يعلنا رسميا وعلنيا وليس فقط داخل الغرف، عن رفضهما لمثل هذه الأعمال الشنيعة والمدانة، وذلك من خلال بيانات شجب واستنكار تصدر عن قياداتهما من الصف الأول، وتقطع الطريق أمام كل اعتقاد بأن هذه الاعتداءات تمثل طائفة معينة».
وأردف: «لطالما شكل نادي نيكول تومان والكنيسة أيام الحرب وخلال مرحلة الانقسام العمودي في لبنان بين اليمين واليسار إلى جانب القوى اليسارية الفلسطينية وقتذاك، ملاذا آمنا للمضطهدين والمهددين بخطر وجودي أيا تكن انتماءاتهم المذهبية والطائفية والحزبية...».
وأكد بوغوصيان ردا على سؤال، «ان القوى العسكرية والأجهزة الأمنية مشكورة، طوقت بسرعة مكان الحادث وأوقفت الاعتداءات، إلا ان المنظمين الأوائل الأساسيين المحرضين والمحركين للاعتداءات لاذوا بالفرار وتواروا عن الأنظار، ناهيك عن الادعاء عليهم قضائيا من قبل بعض الهيئات المدنية والأشخاص الذين تضرروا جسديا وماديا».
ولفت في سياق رده إلى أن وفدا من «حزب الله» وحركة «أمل» زار كنيسة السيدة ونادي تومان، «للإعراب عن رفض كل منهما للحادث، وللتأكيد على ان الاعتداءات لا تمثل المذهب الشيعي، علما ان صيحات مذهبية معينة تنسب تلقائيا عند سماعها إلى طائفة معينة. من هنا ضرورة اتخاذ الحزب والحركة إجراءات عملية على الأرض لردع المخالفين وضمان وقف استفزازهم لأهالي المنطقة، لاسيما الأرمن منهم، وعدم تكرار أفعالهم المدانة شرعا وقانونا».
وختم بوغوصيان مؤكدا انه «لم تعد النار من الناحية الأرمنية مؤججة تحت الرماد، لكن من الطبيعي أن تترك آثارها في النفوس، الأمر الذي يستوجب معالجته بسرعة من قبل الأجهزة العسكرية والأمنية، إضافة إلى حركة أمل وحزب الله، منعا لانزلاق الوضع إلى ما لا تحمد عقباه».