دمشق - هدى العبود
اختتم مهرجان «دلبة مشتى الحلو» الثاني عشر للثقافة والفنون فعالياته بالاحتفاء بالثقافة السريانية، وذلك من خلال أمسية غنائية جميلة أحياها كورالي «أرجوان» و«سيدات النغم»، بقيادة الموسيقار بشر عيسى وعازفة البيانو شذى طعمة، ومشاركة كل من العازفين: معتز خوندة- العود، غدي عيسى- أكورديون، أحمد الشاعر- رق، يوسف سقا- بيركشن، سما عيسى- فلوت، إبراهيم طعمة - كلارينيت- ساكسوفون.
تتراوح أعمار فرقة كورال «سيدات النغم» من خمسة وثلاثين إلى خمسة وخمسين سنة، ومكونة من جميع أطياف الشعب السوري، من مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية والعلمية والثقافية (طبيبات، مهندسات، معلمات مدارس، محاميات، أساتذة جامعيات، موظفات، وصاحبات أعمال حرة)، ويتبع إلى جمعية أصدقاء الموسيقى في طرطوس التي تأسست عام 2016، وهي الجمعية الموسيقية الأولى والوحيدة على امتداد الساحل السوري. أقيم الحفل تحت عنوان «الأغنية السورية عبر التاريخ»، وقدمت خلاله عشر أغان حملت في طياتها الفرح والحب والأمل والسلام، ويعود بعض هذه الأغاني إلى الألحان القديمة التي لحن وأنشد فيها السريان - السوريون القدماء، ثم انتقلت إلى السوريين العرب ليصيغوا منها القدود والموشحات الحلبية والشامية وأغاني الفلكلور والتراث، واختزل كورال «سيدات النغم» عصارة التاريخ السوري، بتقديم ثلاث وصلات من القدود الحلبية التي تم إدراجها على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي، وأربع أغان تراثية سورية.
بدأت الأمسية بنشيد «نيكالا- آلهة القمر» - أوغاريت (1400 ق.م)، ونص الأغنية مكتوب باللغة الحورية (لغة الدولة الميتانية القديمة)، وهو أقدم تدوين موسيقي لأغنية في التاريخ يعرض لأول مرة بالترجمة الموسيقية للعالم السوري راوول فيتالي 1982، ووفق أحدث ترجمة للرقيم الأوغاريتي 2002، كما أنشدن أغنية «خاصادي قومون» أي «انهضوا أيها الحصادون»، وهي من التراث الآشوري، وأغنية «عال ترعك عيتو» أي «على أبوابك أيتها الكنيسة»، وتنسب هذه الأغنية للقديس أفرام السرياني (306 - 373) وهي من أقدم الترانيم السريانية، ثم غنوا «لشونح آرومو» أي «لغتنا الآرامية» باللغة السريانية الغربية (لهجة أهل معلولا وجبعدين)، كلمات الشاعر الجبعديني حسين علوش، وقدمن أغنية «عاليد العونا»، كلمات الشاعر المعلولي ميلاد الميال، ثم أغنية «يا لور حبك» من تراث بلاد الشام، وجميع هذه الأغاني من توزيع الموسيقي بشر عيسى.
كما قدم الكورال أغنية بعنوان «مرثاة سيكيلوس» وهي أقدم قطعة موسيقية كاملة تعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد في الحقبة الهلنستية زمن الدولة السلوقية التي حكمت بلاد الشام بين (312 - 63 ق.م)، إضافة إلى أغنية «عالمايا» من تراث منطقة الفرات، توزيع أدوار توريكيان، وموشح «فيك كل ما أرى حسن» وهذا الموشح من أشهر الموشحات الحلبية التراثية وهو مجهول المؤلف والملحن، وأغنية «على روض الحبيب» من تراث الساحل السوري (اللاذقية)، توزيع الياس سمعان، كما طرب الجمهور بسماع أغنية «عالروزنا» من تراث بلاد الشام، توزيع بشر عيسى.
يشار إلى أن كورال «سيدات النغم» هو كورال نسائي شرقي متخصص في غناء التراث الشامي والعربي، تأسس في مدينة طرطوس عام 2022 من قبل المايسترو بشر عيسى، وتم إطلاقه بعد سنة كاملة من التدريب في عام 2023.
وصرح الموسيقي بشر عيسى لـ«الأنباء»: كان هدفنا الأساسي من تأسيس كورال للسيدات لإبراز دور المرأة السورية في المشهد الثقافي والموسيقي العام، وإدخال ثقافة الكورال والغناء الجماعي بمفهومها المعاصر إلى الثقافة الفنية المحلية، وإعادة إحياء التراث الموسيقي الشامي (بلاد الشام) والعربي الأصيل والذي بدأ يندثر ويضمحل ويتراجع أمام السطحية والابتذال التي تسيطر على المشهد الفني العربي العام، بالإضافة إلى تكريس الغناء العربي بلغته الفصحى، والأداء الأمثل والصحيح للحرف العربي وللحن الشرقي، والذي يعتمد في تقنيته على الاستفادة المثلى من الحنجرة البشرية لإخراج الأصوات بشكل أجمل وأصح وأجدى، والغناء بأسلوب موحد يحمل في طياته احتراما لقدسية الصوت البشري، وتعاملا خلاقا مع الموسيقى.