بيروت ـ اتحاد درويش
أكد حاكم مصرف لبنان بالإنابة د.وسيم منصوري أنه «نتيجة السياسات الجديدة التي اعتمدها مصرف لبنان مؤخرا، انخفضت الكتلة النقدية بأكثر من 25% منذ بداية العام 2023، لتصل إلى 59 تريليون ليرة حاليا منتصف اغسطس 2024. أما الاحتياطات الأجنبية للمصرف المركزي، فسجلت فائضا فاق المليار و800 مليون دولار منذ اغسطس 2023، لتصبح 10.388 مليارات دولار مقابل كتلة نقدية دون الـ 700 مليون دولار».
وأشار منصوري، إلى أن «قرارت مصرف لبنان حول وقف تمويل الدولة وعدم التدخل في سوق القطع وايقاف العمل بمنصة صيرفة، كان من نتائجها توقف النزف وتحسن الجباية كما استقرار في مالية الدولة».
وأضاف: «لقد ساهمنا في تصحيح وتنظيم مالية الدولة بالكامل حيث أصبح بإمكان الدولة معرفة كيفية الصرف وقدرتها على الصرف من حساباتها الموجودة لدى مصرف لبنان، وقد لمسنا للمرة الأولى قدرة الدولة على ايجاد الحلول للمشاكل التي تواجهها بشكل طارئ كما حصل مؤخرا، من دون اللجوء إلى الاستدانة من مصرف لبنان كما كانت العادة في السابق».
كلام منصوري جاء خلال رعايته افتتاح أعمال «الملتقى السنوي لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الارهاب «تداعيات الاقتصاد النقدي على النظام المصرفي» في فندق «فينيسيا انتركونتيننتال» ببيروت أمس، وسط حضور واسع من الوزراء والسفراء العرب والفعاليات الاقتصادية والمالية والأمنية ورئيس وأعضاء هيئة التحقيق في مصرف لبنان وكبار المصرفيين.
وشدد على «أهمية الدعائم الأربع التي يجب الارتكاز عليها لإخراج لبنان من الأزمات العميقة التي تعصف به. أولا، المحاسبة عن طريق القضاء حصرا. ثانيا وضع آلية واضحة لاعادة أموال المودعين. ثالثا بناء الاقتصاد من خلال إعادة إطلاق عمل القطاع المصرفي. ورابعا إعادة هيكلة الدولة وإجراء الإصلاحات التي طال انتظارها».
وأكد أمام المشاركين في الملتقى الذي نظمه اتحاد المصارف العربية بالتعاون مع هيئة التحقيق في مصرف لبنان، «التزام المصرف بالتعاون الوثيق مع المصارف العربية ودعمه لها ولفروعها الموجودة في لبنان، حيث نعتبر أن مكان لبنان الطبيعي هو في اندماجه الكامل مع محيطه العربي، ونحن نأمل أن تكون نتائج هذا الملتقى محطة مهمة لتعزيز آليات التعاون وتطوير السياسات المشتركة التي ستسهم في حماية نظامنا المالي من المخاطر المتزايدة في هذه المرحلة الحساسة».
وقال ان «مصرف لبنان يعمل على ارساء حالة من الاستقرار بانتظار حلول كبرى تتطلب اجراءات من القوى السياسية.
وأضاف: «لا زلنا نعمل جاهدين لمنع إدراج لبنان على اللائحة الرمادية».
وأردف منصوري قائلا: «استمرار انعقاد هذا الملتقى في بيروت يعكس التزام الاتحاد الراسخ بدعم القطاع المصرفي في لبنان، وتعزيز التعاون بين المصارف العربية في مواجهة القضايا المصيرية التي تمس أمننا الاقتصادي، وعلى رأسها مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب».
وتابع: «يشكل موضوع مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب أولوية بالنسبة للبنان الذي قطع شوطا طويلا في هذا المجال. والجدير ذكره أن لبنان تخطى صعوبات جمة، لعل أهمها إدراجه في العام 2000 من قبل مجموعة العمل المالي لمكافحة تبييض الأموال على قائمة الدول غير المتعاونة، وذلك بسبب وجود قانون السرية المصرفية الذي يعيق عمل التحقيقات الدولية وعدم وجود آنذاك، قانون مستقل لمكافحة تبييض الأموال».
وتابع: «دأب لبنان منذ ذلك الوقت على اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة، ابتداء من إقرار قانون لمكافحة تبييض الأموال يستند إلى توصيات مجموعة العمل المالي، مرورا بوضع إطار تنظيمي متكامل، وإنشاء هيئة تحقيق خاصة تعنى بمكافحة تبييض الأموال، وصولا إلى التعاون والتنسيق لتحديد المسؤوليات وتوزيع الأدوار على مختلف الأجهزة الأمنية والقضائية المعنية، كل بحسب صلاحياته».
ولفت إلى أنه «في العام 2002 تم حذف اسم لبنان من قائمة الدول غير المتعاونة، ليبدأ بحصد التنويهات في المحافل الدولية. وفي العام 2015، أقر مجلس النواب اللبناني عددا من القوانين، منها قانون الانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب، وتعديل قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وقانون التصريح عن نقل الأموال عبر الحدود، وقانون تبادل المعلومات الضريبية، الأمر الذي كان له وقع إيجابي لدى المنظمات الدولية بما يتعلق بسمعة لبنان وقطاعه المالي والمصرفي، لاسيما وضعية امتثاله بالمعايير الدولية».
وتناول صدور «قانون مكافحة الفساد في القطاع العام في العام 2020، وأنشئت بموجبه الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد رسميا. وأقر مجلس النواب في العام 2021 القانون الخاص باستعادة الأموال المتأتية عن جرائم الفساد. ومن جهته، عمد مصرف لبنان إلى اصدار التعاميم اللازمة تباعا لمواكبة هذه التشريعات وتحصين المصارف
والمؤسسات المالية اللبنانية. لكن السنوات الماضية كانت حافلة بالصعوبات والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والمالية والأمنية الناتجة عن الأزمة المتعددة الأوجه التي ألمت بلبنان والتأخير في تنفيذ الاصلاحات المنشودة. أضف إلى ذلك تدهور الأوضاع الجيوسياسية مؤخرا من جراء الحرب المستمرة على غزة وجنوب لبنان وتداعياتها الملموسة على الوضع الاقتصادي في البلد».
وقال انه «منذ بداية الأزمة لغاية اليوم، شهد الاقتصاد انكماشا حادا حيث انخفض الناتج المحلي من حوالي 55 مليار دولار سنويا إلى أدنى من 20 مليار، وفقدت الليرة اللبنانية 98% من قيمتها، فيما بلغ متوسط التضخم 221.3% في العام 2023. أما الموازنة، فانخفضت من 17 مليار دولار إلى 3.2 مليارات».
وأردف منصوري: «لقد خلقت هذه الأزمات حالة من عدم الثقة لدى المودعين، مما حرف النشاط الاقتصادي إلى خارج النظام المصرفي وأصبح نقديا بمجمله cash economy. ويعكس الاقتصاد النقدي المدولر تحولا سريعا نحو المعاملات النقدية بالعملات الصعبة، وزيادة النشاط الاقتصادي غير الرسمي، مما يشكل خطرا كبيرا على الدولة ويهدد بعكس مسار التقدم الذي حققه لبنان في مجال مكافحة تبييض الأموال في القطاع المصرفي».
وأشار منصوري إلى اصدار مصرف لبنان «التعميم 165 الذي أتاح فتح حسابات جديدة بالأموال النقدية بالدولار والليرة اللبنانية لاستعمالها لتسوية التحاويل المصرفية الإلكترونية الخاصة بالأموال النقدية (fresh) وتسوية مقاصة الشيكات التي يتم تداولها أيضا بالأموال النقدية، مما يحد من محاولات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ويحجم الاقتصاد النقدي.
كما يعمل مصرف لبنان ومنذ فترة على تطبيق إجراءات لتعزيز استخدام وسائل الدفع الإلكترونية بهدف تقليل الاعتماد على النقد في السوق اللبناني. تتماشى هذه المبادرات مع المعايير الدولية، لاسيما تلك التي تهدف إلى مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب».