أحكام في التعزير والقصاص
ما حكم الشرع الحنيف في شخص قتل آخر قتلا عمدا مع سبق الإصرار، واعترف القاتل بأنه قتل، ولكن لأن المحامي أتى بأمور كثيرة ترتب عليها أن القاتل لم يحكم عليه بالقتل، ولكن حُكم عليه بالسجن، فما الحكم شرعاً؟
٭ هذا القاتل دمه هُدر يجب قتله مادام معترفا بأنه قتل عمدا وعدوانا، إلا إذا عفا أولياء المقتول لقوله تعالى: (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل - الإسراء: 33)، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة» (البخاري 12/ 201 ومسلم 1302/3)، فيجب على ولي الأمر أن يقيم القصاص، فإن لم يقم به الولي فالأمر مشكل إذا كان الولي ممن لا يقيم الحدود ولو وجبت، فإن قام أولياء المقتول بقتل القاتل، فيدرء عنهم الحد ويعزر المباشر لافتياته على الإمام.
وإنما جاز ذلك إذا أمنت الفتنة من أن يستعر القتل بين الناس ويضطرب الأمن، وإن كان لسبب اضطرابه حقيقة إحجام الحاكم عن إقامة الحدود إذ فيها الأمن والحياة، قال تعالى: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب)، وقد صرح الإمام عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المالكي بأن التعزير لمن افتات على حق الإمام - يسقط إذا علم ولي المقتول أن الإمام لا يقتل القاتل، فلا أدب عليه في قتله ولو غيلة، ولكن يراعى فيه أمن الفتنة والرذيلة» (شرح الزرقاني على الموطأ8/4)، وهذه فتوى أو حكم تؤيده الدلائل فليتمعن.
بعير قتل رجلاً، فهل يضمنه صاحب البعير؟
اعترك بعيري مع بعير جاري، فعض بعير جاري بعيري عضة قوية، وبعد أن أخذ كل واحد بعيره وأدخله الجاخور، وهو المكان الذي تحفظ فيه الإبل وغيرها، وفي اليوم التالي خرج بعيري وقد كنت ربطته، لكنه خرج ذاهبا إلى البعير الذي عضه لينتقم منه، ولكن خرج له صاحب البعير وأخذ يضربه ليرده، فهاج عليه البعير فسقط الرجل - وهو كبير في السن - فمات، فهل يلزمني شيء من جهة الشرع؟
٭ ينظر في هذا على التفصيل، فإن كان مالك البعير قد أهمل في ربطه أو في فتح الباب وهو يعلم شراسة بعيره، وهذا ما يدل عليه ربط البعير داخل الجاخور، فإن كان مربوطا فهذا قرينة على أن هذا البعير من النوع الشرس الذي قد يهيج فيضر غيره، إنسانا أو حيوانا.
ومعلوم أن البعير يحقد ولا ينسى من آذاه، من حيوان مثله أو إنسان، ويتحين فرصته للانتقام.
وصاحب هذا البعير لم يُقصر في هذا الشأن، فربط البعير حسب السؤال، وإن لم يربطه وأغلق الباب نهارا وليلا على هذا البعير فلم يقصر أيضا. فإذا ثبت أن مالك البعير لم يقصر في شيء وحدثت الوفاة، فإنه لا شيء عليه.
وإن ثبت تقصيره، فإما أن يكون هو راكبا للبعير وحدثت الوفاة فإن عليه الدية اتفاقا، وعليه الكفارة أيضا عند جمهور الفقهاء عدا الحنفية.
وأما إن لم يكن مالك البعير مع بعيره - كما هو حال السؤال - فإنه لا يضمن شيئا لحديث (العجماء جبار) ويروى (العجماء جرحها جبار)، ومعنى جبار: هدر، لكن إذا كان يعلم أن بعيره عضوض وشرس وأهمل ربطه فإنه يضمن الدية حينئذ كما قلنا. وعلى كل حال فإن التحقيق في سبب الوفاة سيعين ويوضح المسؤولية.