مع تغير السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري الرسمي نفسه مربكا في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود وقيد حريته، وتلون بألوان علم الاستقلال ذي النجوم الثلاث الذي بات علم الدولة الجديد ورفع على كافة المؤسسات الرسمية.
خلال عقود، قيد حزب البعث، ومن خلفه عائلة الأسد، الحريات كافة في البلاد، بينها حرية الإعلام والتعبير. وخلال سنوات الحرب، حول النظام الإعلام إلى أداة لترويج سردياته حول الثورة والاحتجاجات التي اندلعت عام 2011، وفرض قيودا على عمل الصحافيين المستقلين وحد من دخول الصحافيين الأجانب. ومنذ العام 2020 توقف إصدار الصحف الورقية تماما في البلاد.
إثر وصول فصائــل المعارضة بقيادة «إدارة العمليات العسكرية» إلى دمشق في 8 ديسمبر وإعلانها إطاحة نظام بشار الأسد، توقفت وكالة الأنباء السورية (سانا) عن النشر لأكثر من 24 ساعة. ولم يواكب التلفزيون الرسمي الأحداث الميدانية المتسارعة، مكتفيا ببث مقاطع مسجلة من الأرشيف.
وبعد ساعات من الإرباك، ظهرت عبارة «انتصار الثورة السورية العظيمة وسقوط النظام المجرم» على الشاشة، مرفقة بدعوة المواطنين والمقاتلين إلى المحافظة على الممتلكات العامة.
وبعد وقت قصير، أطلت مجموعة من تسعة أشخاص عبر شاشة التلفزيون من استوديو الأخبار. وتلا أحدهم بيانا نسبه إلى «غرفة عمليات فتح دمشق»، أعلن فيه «تحرير مدينة دمشق وإسقاط الطاغية بشار الأسد».
في اليوم اللاحق، نشرت وكالة «سانا» صورة جديدة لحسابها على «تلغرام وفيسبوك»، يغلب عليها ألوان علم الاستقلال الأخضر ونجماته الثلاث إعلانا للبداية الجديدة. ثم استأنفت نشر الأخبار نقلا عن إدارة العمليات العسكرية والوزارات.
وسارع إعلاميون يعملون في وسائل حكومية وخاصة إلى تبديل صورهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وحذف كل ما من شأنه أن «يثبت تورطهم» بعلاقة مع النظام السابق.
وبادرت صحيفة الوطن الخاصة القريبة من السلطات السابقة والتي تمتعت بهامش نقد نسبي مقارنة بوسائل الإعلام الأخرى منذ تأسيسها عام 2006، صبيحة سقوط النظام، إلى الإعلان عن أن «الإعلام السوري والإعلاميين لا ذنب لهم».
ونقلت عن ناشرها ورئيس تحريرها وضاح عبد ربه أن الصحيفة التي تصدر عبر الإنترنت، كانت تنفذ «التعليمات فقط.. كنا ننشر الأخبار التي يرسلونها لنا وسرعان ما تبين الآن أنها كاذبة».
ومذاك، تنقل الصحيفة الأخبار الصادرة عن الإدارة السياسية الجديدة في البلاد.
وقال عبد ربه لوكالة فرانس برس عبر الهاتف: «بعد التواصل مع المسؤولين الجدد في وزارة الإعلام، أكدوا لنا أن بإمكان فريق العمل أن يستمر في عمله». وتابع: «نتمنى في المستقبل أن نعود إلى الطباعة، خاصة أن سورية هي الدولة الوحيدة التي لا تصدر فيها صحيفة واحدة».
وأمس، أكدت إذاعة شام إف إم أنها «ستستأنف بث البرامج والأخبار والتغطيات بدءا من اليوم الأحد، وذلك بناء على قرار من وزارة الإعلام».
وكانت سورية، بحسب منظمة «مراسلون بلا حدود»، تحتل المرتبة ما قبل الأخيرة في تصنيفها لحرية الصحافة لعام 2024. وعاودت منصات ومواقع محلية النشر عبر منصاتها المختلفة تدريجا، وبعضها لا يزال «يتحضر ويستعد للانطلاقة مرة أخرى» مثل قناة «سما» الخاصة التي كانت ممولة من رجل الأعمال السوري والنائب في البرلمان محمد حمشو.
وقال مدير مكتب دمشق لرابطة الصحافيين السوريين (المعارضة) بسام سفر لوكالة فرانس برس، «لا يمكن محاسبة أي إعلامي إلا إذا ثبت أنه مشارك في الدم، وهذه قضية لا يمكن غفرانها وهو مطلوب للعدالة».
وأضاف: «علينا أن نسعى إلى مصالحة الإعلاميين باتجاه تأسيس حالة إعلامية جديدة تعتمد على الحرية وحقوق الإنسان».