التفوق الحضاري لأي دولة ومواكبة التطور التكنولوجي المذهل مرهون باستغلال طاقات الشباب وتوجيههم إلى الطريق الصحيح، وترك الشباب فريسة للفراغ هو إجهاض لأي إصلاحات تستهدف تقدم المجتمع فكريا واقتصاديا وأخلاقيا، لأن هذه الشريحة العمرية هي الأكثر حماسا وقدرة على إحداث التغيير المنشود في كل زمان ومكان.
ولنا في الهند مثال واضح، عندما قرر جواهر لال نهرو رئيس وزراء الهند عام 1961 إنشاء معاهد للإدارة وأخرى للتكنولوجيا بمساعدة الاتحاد السوفييتي كان هذا القرار صادما للمحيطين به، ولكن لأن الرجل يملك العزيمة والثقة في تحويل الحلم إلى واقع، وأن يصبح الشباب هم الثروة الحقيقية التي لا تنضب جيلا بعد جيل، تحولت الهند بفضل القيادة الحكيمة الرشيدة إلى أكبر مصدر للتكنولوجيا في العالم وأصبحت كبرى شركات البرمجة العالمية تدار بواسطة عباقرة من خريجي المعاهد الهندية للتكنولوجيا، ورغم أن الطفرة التي طرأت على الاقتصاد الكلي للهند حدثت في مطلع الألفية الثالثة، إلا أن بذرة النهضة التي بذرها جواهر لال نهرو آتت أكلها بعد عقود من الصبر والعزيمة حتى أصبحت الهند خامس أقوى اقتصاد عالمي بناتج يصل إلى 3.7 تريليونات دولار في مجالات التكنولوجيا وصناعة السيارات والبحث العلمي في الزراعة وعلوم الفضاء واستغلال المناجم والكثير من المجالات التي تم فيها استغلال طاقات العباقرة من الشباب.
وكما يقولون إن «العقل السليم في الجسم السليم»، نجد أن المجال الرياضي هو أكثر المجالات التي يمكن من خلاله استغلال طاقات الشباب وحماسهم، خاصة أن الكويت الحبيبة تستضيف هذه الأيام بطولة «خليجي 26» والتنافس القوي بين المنتخبات للفوز بالبطولة، وأصبحت الدول المتقدمة تنفق المليارات لإعداد الأبطال الرياضيين في شتى الألعاب وأصبح الاستثمار الرياضي مصدر دخل كبير لبعض الدول، لذلك نجد أن اللياقة الذهنية واللياقة البدنية وجهان لعملة التخطيط الناجح في أي مجتمع يبتغي النهضة وصناعة حضارة حقيقية تواكب متطلبات العصر.
إن المكاسب الحقيقية للاهتمام بالشباب واستغلال طاقاتهم لا تحصى ولا تعد، والأمر يتطلب بدءاً النية الصادقة والعزيمة ثم التخطيط الجيد ثم رأس المال، ونحن في خليجنا العربي نمتلك هذه المقومات يبقى فقط التنفيذ، وأن نستفيد من التجربة الهندية كمثال لدولة تحولت من حالة الإفلاس مطلع التسعينيات لدولة استغلت الثروة البشرية وذوي الكفاءة من شبابها لتصبح قوة اقتصادية عظمى يتجاوز ناتجها المحلي بريطانيا وفرنسا!
عندما رأيت اهتمام الشباب ببطولة «خليجي 26» وحماسهم، دار في ذهني استفهام: لماذا لا نستغل هذا الحماس والشغف الاستغلال الأمثل في شتى المجالات؟ وما الذي ينقصنا لنفتح ملف البحث العلمي والاستثمار الرياضي ونحن نملك الشباب الواعد والمال والبنية التحتية؟ لماذا لا نستفيد من تجربة النمور الآسيوية في تجاربهم الناجحة ونكررها في بلادنا بدلا من إهدار الوقت في النزاع السياسي والطائفي الذي أورثنا الجدل وحرمنا العمل؟
لا ينقص شبابنا إلا التوجيه والإنفاق الرشيد لتهيئة الإمكانيات وخلق بيئة علمية رياضية تعود بالنفع المادي والأخلاقي على المجتمع بأكمله، إن الشباب ثروة عظيمة تحتاج من يعجل باستغلال طاقاتهم وتنمية مواهبهم واستخراج اللؤلؤ من أصداف عقولهم.
الهند والصين وفيتنام وماليزيا وتايوان كانت دول نامية، أصبحت بفضل التخطيط الجيد وشبابها الواعد نماذج يحتذى بها، فقط امتلكوا الإرادة والعزيمة للتغيير نحو الأفضل واستعانوا بذوي الكفاءة والخبرة لنقل التجربة الناجحة والتي لم ترتق بهم فقط اقتصاديا ولكن ارتقت بمجتمعاتهم أخلاقيا وسلميا.
إن الحديث عن أهمية ودور الشباب في نهضة أي مجتمع حديث لا نهاية له، والله نسأل أن يرزقنا الإخلاص والصدق في القول والعمل، وأن يحفظ شبابنا من كل سوء ليكونوا خير خلف لخير سلف.