بيروت - بولين فاضل
ليست المرة الأولى ولا الأخيرة التي يغرف فيها اللبنانيون من المخزون الرحباني الكبير لاختزال ما يجول في النفس، وكأن الأخوين رحباني ومعهما السيدة فيروز كانوا عابرين للزمن ومستشرفين للآتي وطليعيين بكل المقاييس.
بالأمس، استحضر اللبنانيون عبارة رحبانية بامتياز تعبيرا عن رياح التغيير السياسي التي هبت أخيرا على لبنان، فتصدر على منصة «اكس» هاشتاغ «بلدنا عم يخلق من جديد» من أغنية فيروز «بحبك يا لبنان»، وقد ظلل الهاشتاغ الكثير من التعليقات المغتبطة بالقاضي نواف سلام للحكومة وقبله العماد جوزف عون للرئاسة.
وهذا الهاشتاغ «الفيروزي» هو غيض من فيض ما استعاره حتى اليوم الناس ورواد المواقع التواصلية من إرث الرحابنة وفيروز لوصف أحوال البلد وأهله في أكثر من مشهدية ومفترق، فتأتي في كل مرة العبارات الرحبانية «حفرا وتنزيلا» في زمن الحرب كما في زمن السلم، تحاكي كل مرحلة وكل فكرة وكل خلجة وكل ومضة.
وفي هذا الإطار، قال الفنان غدي الرحباني نجل الفنان الكبير الراحل منصور الرحباني في حديث لـ«الأنباء»: إن كل أغنية من أغنيات الأخوين رحباني تصلح شعارا مثل «لبنان الأخضر» الذي كان بالفعل وطنا أخضر حين ألفا هذه الأغنية، ولم يكن اللبنانيون يدركون هذا الواقع، لكن حين تجسد هذا الكلام في أغنية بصوت فيروز العظيم صار«لبنان الأخضر» هو مرادف لبنان.
وقال غدي: عاصي ومنصور تحدثا عن التغيير وشجعا الناس عليه، وكل أغنياتهما انطوت على عنفوان ووقفة عز وحب للوطن وإيمان به كوطن واحد نهائي، وحين كتبا «عمر يا معلم العمار..عمر تنعمر لبنان ويعلا عالغيم البنيان»، اتخذها الناس شعارا، وأيضا «وطني يا جبل الغيم الأزرق» أو «لبنان يا أخضر حلو» أو «حبيتك بالصيف حبيتك بالشتي»، أو «انت القوي انت الغني وانت الدني يا وطني» أو «ساعدني يا نبع الينابيع» أو «ارجعي يا بيروت بترجع الأيام»، مثال آخر هي أغنية «بتتلج الدني بتشمس الدني ويا لبنان بحبك تتخلص الدني» التي تحولت إلى شعار متداول، وقبل أن تقع الحرب اللبنانية التي هي عندي حرب الغرباء على أرض لبنان وليست حربا أهلية، كانت انتهت مسرحية «ميس الريم» بأغنية «هالسيارة مش عم تمشي» فاستعار الجميع هذه العبارة من سياسيين ونقاد وغيرهم للقول إن الدولة اللبنانية «مش ماشية»، وفي فيلم «بياع الخواتم» كانت هناك شخصية «راجح» الوهمية التي اخترعها المختار لتسلية الناس، ونجد اليوم كثيرين يحمّلون المستتر المجهول المسؤولية وراء بعض الأفعال، فيقولون «راجح» فعل ذلك، وهو عمليا الدولة أو الطابور الخامس أو أي أشخاص آخرون.
وأضاف غدي الرحباني: عاصي ومنصور، ومنذ بداياتهما، كانا متفردين متميزين وكتبا حالهما وكانا وطنيين وعنفوانيين، وقد أتيا بمفردات جديدة ولغة شعرية ونمط موسيقي جديد وصنعا هوية، لقد واكبا دولة لبنان الحديث منذ الاستقلال والحركات التمردية والانتفاضات ضد الفرنسيين حتى رحيلهما، وكانا على بينة من كل شاردة وواردة، لاسيما أن عاصي كان في شرطة البلدية في بلدة انطلياس، ومنصور في سلك بوليس بيروت العدلي، وبالتالي كانا يستشرفان الأمور والمستقبل، وما كتباه كان حقيقيا عن لبنان، لأن عاصي ومنصور لم يخلقا وطنا وهميا وإنما حلما بوطن حقيقي فيه عدالة ومؤسسات وناس طيبون وغير طيبين.
وقال غدي: إن عاصي ومنصور كانا مدركين أن الأنظمة التي تحكم لبنان يستحيل أن تقود إلى أي نتيجة أو فرج قريب، لذا منصور الرحباني وقال في مسرحية «صيف 840» «مع هيك زعماء بعدو فجر الوطن بعيد»، وفي عبارة أخرى سكنت وجدان الناس وتم كثيرا تداولها هي «بهالبلد كل شي بصير»، وهذا ما حصل بالأمس، إذ كان مقررا أن يستمر نجيب ميقاتي في رئاسة الحكومة، وبين ليلة وضحاها جاء نواف سلام.