بيروت - اتحاد درويش
بلدة حولا واحدة من القرى الواقعة على الحدود الجنوبية من لبنان، تعرضت كما غيرها من البلدات ولاتزال للاعتداءات الإسرائيلية المدمرة، بفعل الغارات المكثفة التي لم تهدأ على مدى أكثر من سنة ونصف السنة.
تحولت حولا إلى بلدة منكوبة خالية من سكانها، ويخيم الخراب على كل ركن فيها. منازل تحولت ركاما وبعضها بقايا مهشمة. مساحات خضراء استحالت رمادا.. غادر بعض سكانها عند بدء «حرب الإسناد» (8 أكتوبر 2023)، وفي مرحلة لاحقة ومع توسع الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب لبنان والقصف اليومي العنيف والمتكرر نزح سكانها باتجاه مختلف المناطق اللبنانية، ولم يبق إلا القليل منهم على أطراف البلدة.
بلدة حولا الواقعة ضمن قضاء مرجعيون في محافظة النبطية والمحاذية للحدود مع فلسطين المحتلة، دفعت أثمانا كبرى وتضحيات جسيمة منذ العام 1948.
وقصة المعاناة مع إسرائيل طويلة، ولم تثن أهل حولا عن تمسكهم بأرضهم ورفضهم بقاء الجيش الإسرائيلي جاثما فوق تراب بلدتهم. اندفع أبناؤها للعودة إليها بعد طول انتظار، على رغم المخاطر والتهديدات التي أطلقها الجيش الإسرائيلي.
مع الدعوة التي وجهت إلى أهالي القرى الحدودية يوم الأحد في 26 من يناير الماضي بالتوجه إلى قراهم، احتشد العشرات من أبناء بلدة حولا مثلهم مثل بقية أبناء القرى والبلدات الجنوبية. وكان يفترض أن يوفر سريان وقف إطلاق النار في27 من نوفمبر الماضي الطمأنينة في نفوس الأهالي وأملا بالعودة بعد طول انتظار. إلا أن الجيش الإسرائيلي واصل اعتداءاته طوال تلك الفترة، حتى أنه يقال أن نسبة الدمار فاقت 70% مما كانت عليه أثناء الحرب، أي أنه قضي على البقية الباقية مما يمت إلى الحياة بصلة في البلدة بعد وقف إطلاق النار.
وجاء إعلان تمديد فترة اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل حتى 18 الجاري صاعقا على سكان البلدة، وبدا واضحا إصرارهم الدخول إليها ولو على الركام، خشية تكريس إسرائيل احتلالها للبلدة بعد انقضاء الفترة الممددة لوقف إطلاق النار.
محاولات حثيثة عند مداخل بلدة حولا للدخول إليها بالتنسيق مع وحدات الجيش اللبناني المتمركزة على تخومها، وسط التأكيد على مواجهة التحديات.
وعلى رغم قساوة مشاهد الدمار في البلدة، والتي يفوق الوصف بحسب رئيس البلدية شكيب قطيش، فإن «بلدة حولا منكوبة بكل ما للكلمة من معنى».
وقال قطيش لـ «الأنباء»: «حال بلدة حولا كغيرها من قرى المواجهة الحدودية بالصمود والتصدي. وهذا ليس بجديد عليها، فالتضحيات على مر العقود تحكي سيرة البلدة. والبداية مع المجزرة الإسرائيلية في العام 1948 التي راح ضحيتها حوالي 100 شخص وهي الشاهدة على صمود أبنائها. ذاكرتهم مطبوعة بالحروب الإسرائيلية المتكررة، وهم عاشوا أهوالها وواجهوا تحدياتها والتاريخ يشهد بأنها بلدة أم الشهداء».
يشير قطيش إلى أن أهالي البلدة حاولوا الدخول إليها عند انتهاء فترة الـ 60 يوما من وقف إطلاق النار. «وبالفعل توجهنا إلى البلدة ووقفنا عند أحد مداخلها حيث يوجد حاجز للجيش اللبناني، وطلب من الأهالي عدم تخطي الحاجز، ولا نعلم ماذا حصل في ذاك اليوم من27 يناير الماضي، بعد أن أبلغنا رسميا بأن الجيش الإسرائيلي سوف يخلي عدة قرى من بينها حولا. ما حصل كان العكس، لا الجيش اللبناني تمكن من التقدم باتجاه ساحة البلدة، ولا القوات الإسرائيلية انسحبت. وهذا أمر لم يفاجئنا. فقد تعودنا أن تضرب إسرائيل بعرض الحائط كل القرارات والاتفاقات».
ويلفت قطيش «أنه في يوم الأحد التالي، كان الأمل كبير بالدخول إلى بلدتنا. وتجمع الأهالي، وما أن تقدمنا سويا لمسافة 100 متر حتى إنهال علينا الرصاص من الجنود الإسرائيليين، فاستشهد 3 شبان وجرح 14 وتم اعتقال 6 مواطنين من البلدة، ولم تحصل إمكانية للتقدم على الإطلاق ولو لبضعة أمتار، لأن الجيش الإسرائيلي لم يتراجع. وكانت هناك مساحة عازلة بين حاجز الجيش اللبناني وتمركز القوة الإسرائيلية».
وبحسب رئيس البلدية، «فإن نسبة الدمار بالوحدات السكنية وبالمحال التجارية بلغت 70%، والبنى التحتية 100%، عدا عن الأضرار الكبيرة جدا والتهديم المتعمد للمدارس وخزانات المياه ومحطات الكهرباء، ومبنى البلدية والمستوصفات. وقبل أيام قامت القوات الإسرائيلية وفي عدوان جديد لا يقل وحشية عن سابقاته بتجريف الأراضي الزراعية، من كروم لأشجار الزيتون والأشجار المثمرة بالإضافة إلى إحراق عدد من المنازل. كما لجأت إلى تجريف محيط موقع العباد المحاذي للحدود مع فلسطين المحتلة، والذي يحتوي على أعداد كبيرة من أشجار السنديان والصنوبر المعمر والملول، ما يعني انها تتعمد تدمير البيئة والموارد الطبيعية التي هي مصدر رزق المزارعين».
وذكر قطيش «أن نسبة كبيرة من أهالي البلدة يعتمدون في معيشتهم على زراعة التبغ والزيتون وانواع الحبوب، وغالبية المقيمين في البلدة مزارعين، وهناك نسبة كبيرة من المتعلمين وأصحاب الكفاءات من أطباء ومهندسين وأساتذة جامعيين ومهن متنوعة».
وتابع قطيش: «خسائر البلدة كبيرة جدا ومسألة إعادة الإعمار صعبة ومعقدة وتحتاج سنوات. فإلى جانب الدمار الذي تم ذكره انفا، هناك خسائر في الأرواح. وقدمت حولا 75 شهيدا منذ أكتوبر 2023، عدا المفقودين من أبنائها».
وختم رئيس البلدية: «رفعنا كتابا إلى الجهات المعنية لاعتبار حولا بلدة منكوبة والحياة فيها منعدمة، لكن أيا يكن الأمر من دمار وقتل وتهجير وحرق منازل، نحن مصممون على العودة إلى بلدتنا. هذه الأرض لنا ولن نتخلى عنها لأنها جبلت بدماء الشهداء والأبرياء والمواطنين العزل، وهي أمانة في أعناقنا ويتوجب الحفاظ عليها وصونها من أي غاصب».