بيروت - ناجي شربل وأحمد عزالدين
تدخل الحكومة اللبنانية في آخر استحقاق لها قبل مباشرة وزرائها مهامهم العملية والقانونية، ويتمثل بنيل ثقة المجلس النيابي الضرورية لبدء ورشة الإصلاح، بعد انتهاء اليوم الطويل لتشييع الأمينين العامين لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين، والذي استنفرت لأجله الدولة كل أجهزتها على مدى أيام ونجحت فيه القوى العسكرية اللبنانية في تأمين سلامة المشاركين.
وقد تقدم الحضور الرسمي رئيس المجلس النيابي نبيه بري ممثلا رئيس الجمهورية العماد جوزف عون. فيما كان حضور رسمي إيراني على مستوى رئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف، ووزير الخارجية عباس عراقجي. وقد وصل كل منهما بطائرتين إيرانيتين حطتا في مطار بيروت الدولي قرب مبنى الطيران العام.
الوفد الإيراني الذي ضم قاليباف وعراقجي والسفير في بيروت مجتبى أماني، التقى رئيس الجمهورية العماد جوزف عون بحضور وزير الخارجية يوسف رجي ثم قصد الوفد رئيس مجلس النواب نبيه بري، فرئيس الحكومة نواف سلام.
ونقل قاليباف إلى الرئيس عون تحيات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، ودعوته له للقيام بزيارة رسمية إلى طهران.
وشدد قاليباف على وحدة الأراضي اللبنانية وسلامتها وسيادة الدولة عليها، مبديا استعداد بلاده المشاركة مع دول عربية وإسلامية في إعادة إعمار ما هدمه العدوان الإسرائيلي على لبنان. وأكد ان إيران ترغب في رؤية لبنان بلدا مستقرا وآمنا ومزدهرا، مشيرا إلى أن بلاده تدعم أي قرار يتخذه لبنان بعيدا عن أي تدخل خارجي في شؤونه.
من جهته، قال الرئيس عون: «لقد تعب لبنان من حروب الآخرين على أرضه، وأوافقكم الرأي بعدم تدخل الدول في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وأفضل مواجهة لأي خسارة أو عدوان، هي وحدة اللبنانيين. ونشارككم فيما أشار إليه الدستور الإيراني في مادته التاسعة التي تؤكد على ان حرية البلاد واستقلالها ووحدة أراضيها وسلامتها، هي أمور غير قابلة للتجزئة، كما تؤكد على انه تتحمل الحكومة وجميع أفراد الشعب مسؤولية المحافظة عليها، ولا يحق لأي فرد أو مجموعة أو أي مسؤول ان يلحق أدنى ضرر بالاستقلال السياسي او الثقافي او الاقتصادي او العسكري للبلاد، او ان ينال من وحدة أراضي البلاد بحجة ممارسة الحرية».
ونوه الرئيس عون بما صدر عن قمة الرياض الأخيرة، لاسيما على تأكيد حل الدولتين بالنسبة إلى القضية الفلسطينية. وشدد على ان لبنان دفع ثمنا كبيرا دفاعا عن القضية الفلسطينية. وأكد حرص لبنان على إقامة أطيب العلاقات مع طهران، لما فيه مصلحة البلدين والشعبين.
إلى ذلك، تتجه الأنظار غدا إلى ساحة النجمة، حيث يبدأ المجلس النيابي مناقشة البيان الوزاري للحكومة تمهيدا لمنحها الثقة، والتي يتوقع ان تكون مرتفعة توازيا مع الثقة الشعبية، على أمل ان تكون خشبة خلاص مما يتخبط فيه البلد. وبعد الثقة يحين موعد التعيينات الإدارية، إذ ان أكثر من نصف وظائف الفئتين الأولى والثانية شاغرة وتدار إما بالإنابة أو بالوكالة. ولا يمكن تحفيز الإدارة وانطلاق عملها ومواكبة الخطط والتعهدات التي أعلنتها الحكومة، من دون تعيينات تراعى فيها الكفاءة، وتكون بعيدة عن المحسوبيات والمحاصصة الحزبية والطائفية، وان كان الدستور اللبناني ينص على المناصفة بين الطوائف في وظائف الفئة الأولى.
وتبدأ الجلسة بتلاوة رئيس الحكومة نواف سلام البيان الوزاري على مسامع النواب. وتعقب ذلك مداخلات طالبي الكلام من ممثلي الكتل، وسط معلومات عن طلب عدد كبير من أعضاء المجلس الكلام، اذ تشكل هذه المناسبة فرصة للإطلالات الإعلامية.
ولا يمكن حصر مداخلات النواب المستقلين وعددهم ليس بقليل، علما ان هناك اختلافا في الوقت الذي يعطى للنائب إذا كان يتحدث ارتجاليا او بنص مكتوب، بحيث يسمح للنائب المرتجل بضعف الوقت المخصص للنائب الذي يتحدث بنص مكتوب. ودرجت العادة ان تكون جلسات الثقة على مدى 3 أيام. وإذا كان رئيس المجلس نبيه بري قد حدد يومين للمناقشة قد لا يكونان كافيين ما لم يتم حصر العدد والدعوة إلى اختصاره، مع ورود معلومات عن بلوغ عدد طالبي الكلام 60 نائبا، أي نصف عدد أعضاء المجلس تقريبا.
وتختتم المناقشة برد من رئيس الحكومة على التساؤلات التي طرحها النواب، ويطلب في نهاية كلمته الثقة للحكومة، بحيث يتم التصويت بالمناداة بـ «ثقة» او «لا ثقة» او «ممتنع».
وبالعودة إلى التعيينات المرتقبة في جلسة الحكومة الأولى بعد نيلها الثقة، فتتصدرها تلك الأمنية، في ضوء الشغور في منصب قائد الجيش والمدير العام للأمن العام، وشغولهما بالإنابة من قبل اللواءين حسان عودة (الجيش) وإلياس البيسري (الأمن العام). في حين لم يحسم تعيين مدير عام جديد لقوى الأمن الداخلي، بعد تمديد سن التقاعد للواء عماد عثمان سنة ثانية تواليا.
وينصب التركيز على منصب قائد الجيش، الذي يرشحه رئيس الجمهورية، خصوصا ان الرئيس جوزف عون انتقل من مكتبه قائدا للجيش في اليرزة إلى قصر بعبدا بعد زهاء 8 أعوام على رأس المؤسسة العسكرية. وهو يعرف أدق تفاصيلها، خصوصا انه قادها في أصعب ظروف اقتصادية، وانقسامات سياسية عرفتها البلاد. وقد نجح في الحفاظ على دورها الريادي.
ومعلوم ان منصب قائد الجيش محط أنظار دول كبرى فاعلة في طليعتها الولايات المتحدة الأميركية التي تدعم الجيش اللبناني وتزوده بالسلاح والعتاد، وتعول على دوره كمؤسسة أمنية رسمية تقوم بأصعب المهمات وأدقها، وخصوصا في الفترة الحالية التي تشهد تطبيقا جديا للقرار الأممي 1701، ومطالبة دولية بنزع كل سلاح غير شرعي، مع جهة لبنانية أو غيرها، وبسط سيادة الدولة على الأراضي اللبنانية.
أسماء عدة من قادة وحدات ومدير عمليات مرشحة أصحابها للقيادة، وكلها من دورة 1994. ولا يسقط البعض احتمال تعيين قائد جديد للجيش، ولو بنسبة ضئيلة من دورة 1995، ما يعني تقديم وجوه جديدة إلى الصف الأول في المؤسسة الوطنية الأم.
وبعد تعيين قائد جديد للجيش، تكر سبحة التعيينات، سواء الأمنية أو الإدارية، مع اعتماد معايير أعلى درجات الكفاءة، كما جرى في اختيار أعضاء الحكومة من وزيرات ووزراء.
ومن المشهد يوم أمس، عدم غياب الاعتداءات الإسرائيلية في سياق الخرق المستمر لاتفاقية وقف إطلاق النار. إذ شن الطيران الإسرائيلي غارات على الوادي المجاور لبلدة معروب قضاء صور، ومنطقة النهر بين بلدتي الحلوسية والزرارية. كذلك استهدف الطيران الإسرائيلي لاحقا بلدة بريصا في جرود الهرمل بالبقاع. كما قامت الطائرات الإسرائيلية بالتحليق على علو منخفض فوق بيروت وضواحيها خلال التشييع.
من جهته، قال البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في عظة الأحد الأسبوعية: «لا مكان للأحقاد في نفوس غالبية اللبنانيين. الشعب لا يشبه بعض قادته، وبعض القادة لا يشبهون وطنهم. وأصلا، بعض السياسيين ليسوا على قياس الشعب العظيم والدولة المميزة. وبالمقابل، لا مكان في نفوسنا للخوف والانهزامية: فالخوف هزيمة مسبقة، الانهزامية هزيمة ملحقة. هذه مشاعر قاتلة في زمن تقرير المصير. في اللحظة التاريخية التي نمر فيها، قدرنا أن نصمد ونواجه ونقاوم من أجل وجودنا الحر. في الزمن المصيري، لا يوجد سوى الانتصار الوطني دفاعا عن ثوابت لبنان وقيمه».
وفي العاصفة القطبية التي تضرب لبنان، نزلت الثلوج إلى ارتفاع 350 مترا، كما في مدينة عاليه وغيرها من المناطق اللبنانية. وسقطت حبات ثلجية في بعض مدن وبلدات ساحلية لبنانية، وتشكلت طبقات الجليد على ارتفاعات متوسطة، وسجلت معها انزلاقات للسيارات وحوادث اصطدام عدة. وتواجدت في المقابل الأجهزة الأمنية في كل الأمكنة، وعملت على تقديم الإسعافات وخدمات الطوارئ.