عواصم - وكالات: أعلن زعيم المحافظين الألمان فريدريش ميرتس بعد فوز حزبه في الانتخابات التشريعية امس ، رغبته في تشكيل حكومة "بأسرع وقت ممكن" لتجاوز أزمات ألمانيا، فيما سجل أقصى اليمين تقدما تاريخيا.
وقال ميرتس (69 عاما) في برلين بعد الانتصار الذي يرشحه لتولي منصب المستشار بشرط إيجاد حلفاء للحكم، إن "العالم الخارجي لن ينتظرنا، ولن ينتظر مفاوضات ائتلافية مطولة ، يتعين علينا أن نصبح جاهزين للعمل بسرعة مجددا للقيام بما هو ضروري على الصعيد الداخلي، لكي نصبح حاضرين في أوروبا مرة أخرى".
ويأتي هذا التحول إلى اليمين في لحظة محورية بالنسبة إلى ألمانيا وحلفائها الأوروبيين الذين أصيبوا بالصدمة إزاء الإعلانات الصادرة عن إدارة دونالد ترامب بشأن الحرب في أوكرانيا، والمخاوف من انهيار التحالف عبر الأطلسي، والتهديدات بزيادة الرسوم الجمركية.
وبعد توقع فوزهم منذ أشهر، حصل المحافظون من حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي وحليفهم البافاري حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي على 29 % من الأصوات، وفقا للتقديرات الأولية.
وجاء حزب البديل من أجل ألمانيا ثانيا بنحو 20 % من الأصوات، وهو ضعف النسبة التي حصدها قبل أربع سنوات، وتمثل نتيجة تاريخية للحزب اليميني المتطرف الذي أُسِّس عام 2013.
وقالت زعيمة الحزب أليس فايدل "ستظل يدنا ممدودة دائما للمشاركة في الحكومة وتحقيق إرادة الشعب".
لكنّ المحافظين يستبعدون أي تحالف مع حزب البديل من أجل ألمانيا رغم "المغازلة" البرلمانية بينهم بشأن قضايا الهجرة والأمن خلال الحملة الانتخابية.
من جهته، أعلن المستشار المنتهية ولايته أولاف شولتس أنه يتحمل مسؤولية "الهزيمة المريرة" بعدما حصل حزبه الاشتراكي الديموقراطي على نحو 16 % من الأصوات.
وهذا التراجع غير مسبوق للحزب الأقدم في ألمانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وكان الخاسر الآخر في هذه الانتخابات حزب الخضر المشارك في حكومة شولتس والذي حصل على 13 % من الأصوات.
وجرت الحملة الانتخابية عقب انهيار الائتلاف الحاكم في نوفمبر، في مناخ محلي متوتر عقب هجمات دامية عدّة نفذها أجانب في الأسابيع الأخيرة وهزت الرأي العام وخدمت اليمين وأقصى اليمين.
في مقر الحزب الاشتراكي الديموقراطي، تشعر هيلكه رايخرسدورفر وهي متقاعدة تبلغ 71 عاما بالقلق بشأن النتيجة التي حققها حزب البديل من أجل ألمانيا.
وتقول المعلمة السابقة في تصريح لوكالة فرانس برس "أنا خائفة للغاية من هذا التحول نحو اليمين"، وتخشى أن تسير الأمور "على شاكلة ما جرى في دول أوروبية أخرى أو في الولايات المتحدة".
وكانت الحملة الانتخابية قصيرة ومكثفة ومليئة بالأحداث، واتسمت بتراجع التحالف بين الولايات المتحدة والأحزاب الوسطية في ألمانيا، حليف واشنطن التاريخي.
وحظي حزب البديل من أجل ألمانيا بدعم قوي منذ أسابيع من أوساط دونالد ترامب: فقد قام مستشاره إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم، بالترويج لأليس فايدل باستمرار على منصته إكس.
واعتبر الرئيس الأميركي بعد إعلان توقعات النتائج إنه "يوم عظيم لألمانيا والولايات المتحدة الأميركية"، مضيفا في منشور على منصته تروث سوشال "كما هي الحال في الولايات المتحدة، سئم الشعب الألماني من الأجندة غير المنطقية، خصوصا في ما يتعلق بالطاقة والهجرة".
وفي بانكوف شمال برلين، تجمع نحو 200 من أنصار الحزب اليميني لحضور حفلة شيّ، ورددوا هتافات الفرح عند إعلان النتيجة التي حققها حزبهم، وفق وكالة فرانس برس.
وقال أرن ماير، وهو موظف حكومي يبلغ 33 عاما من برلين، "هذا يظهر أن المواطنين يريدون تغييرا في السياسة". ويضيف "إن حزب البديل من أجل ألمانيا لديه قيم مختلفة، قيم الحرية التي أجدها جذابة للغاية".
ونظمت الانتخابات التشريعية المبكرة عشية الذكرى الثالثة للحرب الروسية الأوكرانية والذي خلّف صدمة في ألمانيا.
وأدى النزاع إلى قطع إمدادات الغاز الروسي الرخيص، ما ساهم في ركود الاقتصاد، كما استقبلت ألمانيا أكثر من مليون لاجئ أوكراني.
كما يثير احتمال التوصل إلى سلام "خلف ظهور" كييف والأوروبيين قلقا كبيرا.
وفي هذا السياق، يتطلع الشركاء الأوروبيون بشدة إلى الإسراع في تشكيل حكومة في ألمانيا.
وقد لمح فريدريش ميرتس إلى أنه يفضل مد اليد إلى الحزب الاشتراكي الديموقراطي.
وهذا التحالف المحتمل الذي يطلق عليه "الائتلاف الكبير" بين الحزبين اللذين هيمنا على المشهد السياسي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، هو الخيار المفضل لدى الألمان بعد مرحلة اضطرابات متواصلة داخل الائتلاف الحكومي الثلاثي بين الاشتراكيين والخضر وليبراليي الحزب الديموقراطي الحر.
وقال ميرتس في هذا الصدد إنه يريد تجنب تشكيل ائتلاف ثلاثي.
لكن رغم فوزه الانتخابي، فإن تشكيل حكومته "لا يزال يعتمد على الأحزاب الصغيرة ، هذه هي الظروف الصعبة لبدء تشكيل حكومة ألمانية جديدة تواجه مهمات شاقة على مستوى السياستَين الداخلية والخارجية"، كما أكّدت كورنيليا وول، مديرة مدرسة هيرتي في برلين.
ويأمل الحزب الديموقراطي الحر تخطي عتبة الـ5 % من الأصوات اللازمة لدخول البرلمان، تماما مثل تحالف سارة فاغنكنشت، وهو حزب يساري محافظ جديد يدعو إلى وقف تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا.
أما "حزب اليسار" الراديكالي فتأكدت الحيوية الانتخابية التي عكستها استطلاعات الرأي في الأسابيع الأخيرة بحصده 9 % من الأصوات.