لم تمض إلا أربعة أشهر على أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد ـ 19)، حتى بدأت تتبلور بعض ملامح وتداعيات أزمة «كورونا» في المجال الاقتصادي والسياسي وعلى المستوى الداخلي والخارجي.
توقعات باشتداد الصراعات القديمة، ونشوء صراعات جديدة على وقع التنبؤات القاتمة للاقتصاد العالمي، وتكهنات عديدة بتغيرات مهمة ستحدث في النظام العالمي، حتى إن البعض يعتقد أن العالم ما قبل أزمة كورونا ليس كالعالم بعده.
في اعتقادي أن النظام الدولي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية لن يشهد تغيرا سريعا، ولكن بلا شك أن أزمة «كورونا» قد سرع من وتيرة تغيره وأظهر جزءا من ملامحه المستقبلية، وأكدت أن الصين هي المرشح القوي لإحداث توازن مستقبلي مع الولايات المتحدة الأميركية، وبالمناسبة الصين هي المتهمة بانتشار فيروس كوفيد ـ 19 بقصد أو بدون قصد!
لا يمكننا إغفال أهمية العامل الاقتصادي في تغير الأنظمة الدولية، فالعامل العسكري وان كان قد شكل النظام الدولي بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، فإن العامل الاقتصادي وحده هو من شكل النظام الدولي الحالي (أحادي القطب) بعد الحرب الباردة، فالاتحاد السوفييتي لم ينهر عسكريا ولا سياسيا بل اقتصاديا، والدليل ان وريثته الشرعية روسيا مازالت دولة عظمى على المستوى العسكري وأما على المستوى الاقتصادي فهي مجرد دولة كبرى فقط.
يبدو أن الأزمات الاقتصادية الدولية المتكررة والتي آخرها أزمة ٢٠٠٨-٢٠٠٩، وأزمة كورونا الاقتصادية ستحدث شرخا يمهد لانهيار النظام الدولي ومن ثم إعادة تشكيله بناء على الأوضاع الجديدة.
وما الحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة وأطراف عديدة من أبرزها الصين إلا محاولة أميركية لضبط إيقاع النظام الدولي وفق مصالحها وعلى رأس تلك المصالح استمرار تفردها بقيادة العالم.
فالمؤشرات الاقتصادية الدولية ولعدة سنوات لا تسير في صالح الولايات المتحدة، ولا يحتاج أن تكون خبيرا اقتصاديا لتعرف بوجود عجز في الميزان التجاري الأميركي بشكل عام وأمام الصين والاتحاد الأوروبي ويزداد سنويا، ففي عام ٢٠١٨ ارتفع العجز التجاري الأميركي بنحو 12% ليبلغ نحو 621 مليار دولار منها 323 مليارا مع الصين فقط.
كما بلغ فائض الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة 152.6 مليار يورو (ما يعادل 165.5 مليار دولار) عام ٢٠١٩، بزيادة 11% عن العام الذي سبقه.
إن مؤشر حجم العجز التجاري الأميركي هو أحد العوامل التي تدفع الرئيس ترامب لفرض رسوم جمركية وغيرها من التدابير الحمائية.
وأما قائمة موقع «فيجوال كابيتاليست» والتي تحسب مساهمة كل دولة في النمو العالمي لعام 2019، فقد جاءت الصين بالمركز الأول وبنسبة مساهمة ٣٣% وتلتها آسيا باستثناء الصين والهند بنسبة ٢٩%، وحلت الولايات المتحدة بالمركز الثالث بنسبة ١١% لمساهمتها في النمو العالمي، وبعدها منطقة اليورو بنسبة ٤%.
يبدو أن كل المؤشرات الاقتصادية تؤكد التراجع المستمر لمكانة الولايات المتحدة مقارنة بالصين والاتحاد الأوروبي.
ختاما: يعلم الأميركيون كل الحقائق السابقة ويسعون إلى تأخير حدوث هذا التغير في النظام الدولي لأنه حتما لن يكون في صالحهم، ولكن تختلف كل إدارة أميركية في السياسة التي تنتهجها، وربما كان الرئيس ترامب أكثرهم صراحة وأقلهم ديبلوماسية.
٭ الخلاصة: هل يتغير النظام الدولي ببطء أو تتحقق نبوءة العالم السياسي الأميركي اغراهام أليسون عن فخ ثوسيديدس الذي سينشأ بين الولايات المتحدة والصين، والذي يشبه ما وقع بين اسبرطة وأثينا، حيث شبه غراهام الصين بالتحدي الذي فرضته أثينا على القوة العظمى آنذاك (اسبرطة) مما أدخل الأخيرة في حرب للحفاظ على النظام الدولي.