بقلم سفير جمهورية الصين الشعبية لدى الكويت لي مينغ قانغ
منذ تولي منصب سفير جمهورية الصين الشعبية لدى الكويت، أحسست إحساسا ملموسا بالفضول الشديد من الأصدقاء الكويتيين تجاه الصين وتنمية العلاقات الصينية- الكويتية.
وإذا أراد أحد فهم الصين، فيجب أن يسبق ذلك فهم الحزب الشيوعي الصيني، والذي يمثل مفتاحا لمعرفة الصين المعاصرة وفهمها بشكل صحيح ودقيق.
يصادف يوم 1 يوليو المقبل الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، وبهذه المناسبة، أود أن استعرض مع الأصدقاء الكويتيين معا، المسيرة التي خطاها الحزب الشيوعي الصيني في المائة عام المنصرم، حتى يتسنى لهم فهم الصين بشكل أفضل.
من أين قدم الحزب الشيوعي الصيني؟
تتمتع الأمة الصينية بتاريخ عريق يمتد لأكثر من 5000 سنة وثقافات متنوعة باهرة، لكنها تعرضت بشكل مستمر لاعتداءات القوى الأجنبية في العصر الحديث.
ومن أجل إنقاذ الأمة من الأزمات الوجودية، جربت مختلف الفئات والقوى السياسية في الصين كافة «الوصفات» بما فيها نظام الملكية الدستورية والنظام الرئاسي والنظام البرلماني والنظام متعدد الأحزاب، لكنها لم تكن قادرة على تغيير وضع الصين التي تعاني من الفقر والتخلف والانقسام.
وبعد عدد لا يحصى من الفشل ومرات متكررة من المقارنة والتفكير، وجد الرواد المثقفون في الصين مخرجا لمعالجة مشاكل الصين من خلال الحقائق العلمية للماركسية اللينينية، فولد الحزب الشيوعي الصيني، وقاد الشعب الصيني في الكفاح والقتال الشاقين، ووضع نهاية للتاريخ الذي عانت فيه الأمة الصينية من كثرة الظلم والإهانة وتأسيس الصين الجديدة.
يمكن القول إن التاريخ والشعب هما اللذان اختارا الحزب الشيوعي الصيني.
ومنذ تأسيس الحزب قبل مائة عام، ظل الحزب الشيوعي الصيني دائما متمسكا بغايته الأصيلة ورسالته اللتين تسعى كلتاهما إلى سعادة الشعب، وقاد الشعب الصيني في إنجاز الطفرة التاريخية من النهوض ثم الاغتناء وصولا إلى تعزيز القوة، وتحقيق المعجزات التنموية النادرة في العالم.
أصبحت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وقفز إجمالي النائج المحلي لها من 30 مليار دولار أميركي في الأعوام الأولى بعد تأسيس الصين الجديدة إلى 14.7 تريليون دولار أميركي في عام 2020، بزيادة ما يقرب 490 ضعفا، وارتفع معدل نصيب الفرد لإجمالي الناتج المحلي من نحو 50 دولارا أميركيا إلى أكثر من 10 آلاف دولار أميركي، وتخلص نحو 800 مليون نسمة من أبناء الشعب الصيني من الفقر المدقع، وحققت الصين هدف القضاء على الفقر الذي وضعته أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030 قبل الموعد بـ10 سنوات، يتمسك الحزب الشيوعي الصيني بأن يكون الشعب أولا والحياة أولا، واتخذ إجراءات صارمة للوقاية والسيطرة على جائحة كوفيد-19، تزامنا مع دفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل منسق، مما حقق استئناف نظام الإنتاج والحياة الطبيعية بشكل سريع، كما يتضامن ويتآزر أبناء القوميات الـ56 في الصين ويتقدمون بالتناغم فيما بينهم، وحظيت عادات وتقاليد أبناء الأقليات القومية وحقوقهم في حرية الأديان والمعتقدات بقدر تام من الاحترام والحماية.. إن جميع ما ذكر سلفا ساهم في تعزيز إحساس الشعب الصيني بالكسب والسعادة والطمأنينة.
تطور الحزب الشيوعي الصيني من حزب صغير متكون مما يقل عن 60 عضوا فقط عند تأسيسه، حتى أصبح اليوم أكبر حزب سياسي في العالم به أكثر من 98 مليون عضو، الأمر الذي إن دل على شيء فإنما يدل على أن الحزب الشيوعي الصيني يحظى بتأييد مخلص من قبل الشعب.
وكشف تقرير بحث صادر من جامعة هارفارد الأميركية أن معدل الرضا لدى الشعب الصيني تجاه الحكومة الصينية التي يقودها الحزب الشيوعي الصيني يصل إلى أكثر من 93%.
لا يسعى الحزب الشيوعي الصيني إلى سعادة الشعب الصيني فقط، بل تقدم البشرية أيضا.
وبعد تأسيس الصين الجديدة، ظل الحزب الشيوعي الصيني ينتهج بثبات سياسة خارجية سلمية مستقلة، ويعمل بموقف لا يتزعزع على صيانة سلام العالم وتعزيز التنمية المشتركة. وعلى مدار أكثر من 70 عاما، لم يسبق للصين أن بادرت بشن حرب واحدة، أو احتلت شبرا واحدا من أراضي الدول الأخرى، كما أنها أوردت «التنمية السلمية» في دستورها.
لن تسعى الصين إلى الهيمنة، بل تدفع بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، وتعزز بقوة التعاون الدولي تحت إطار «الحزام والطريق»، وتشارك بنشاط في عملية إصلاح وبناء منظومة الحوكمة العالمية، وبذلك قدمت الحكمة والحلول والأعمال الصينية للقضايا الدولية مثل القضاء على الفقر ومواجهة تغير المناخ.
ظلت الصين دائما بانية لسلام العالم ومساهمة في التنمية العالمية ومدافعة عن النظام الدولي، حيث تجاوزت نسبة إسهامها في نمو الاقتصاد العالمي أكثر من 30% لأكثر من 10 سنوات على التوالي، وهي ثاني أكبر مساهم في الميزانية العادية وميزانية حفظ السلام للأمم المتحدة، وأكبر الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي من حيث عدد أفراد قوات حفظ السلام التي بعثتها.
ولمواجهة الجائحة، تبرعت الصين بمساعدات طبية لأكثر من 150 دولة و13 منظمة دولية، وقدمت أكثر من 300 مليون جرعة من اللقاح المضاد لفيروس كوفيد-19 للعالم حتى ولو كانت تواجهها صعوبات في إمداد اللقاحات أصلا، إذ نفذت الصين وعودها الجدية ببناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية من خلال أفعالها.
إلى أين يتجه الحزب الشيوعي الصيني؟
يمثل رخاء البلاد ونهضة الأمة وسعادة الشعب، الحلم الذي يكافح وراءه الحزب الشيوعي الصيني دون توقف.
وفي يومنا هذا، ومع دخول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية العصر الجديد، تحول التناقض الاجتماعي الرئيسي في الصين إلى تناقض بين حاجة الشعب المتزايدة إلى حياة جميلة والتنمية غير المتوازنة ولا الكافية، الأمر الذي حتم على الحزب الشيوعي الصيني بأن يتخذ مواصلة التركيز على التنمية كاتجاه لعمله حاضرا ومستقبلا.
ستسرع الصين وتيرة بناء المعادلة التنموية الجديدة القائمة على أن تكون فيها الدورة الاقتصادية المحلية كدعامة أساسية مع التفاعل الإيجابي بين الدورتين المحلية والدولية، وتواصل الانفتاح على الخارج في نطاق أوسع ومجالات أكثر ومستويات أعمق، لدفع تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية عالية الجودة، سعيا لسعادة الشعب الصيني والمزيد من الحيوية للاقتصاد العالمي.
يؤمن بعض الناس بأنه إذا أصبحت دولة قوية فسوف تسعى إلى الهيمنة حتما، لكن الحكمة التي بلورتها الصين من خلال آلاف السنين هي أنه إذا أصبحت دولة مهيمنة فسوف تضعف حتما.
سيتمسك الحزب الشيوعي الصيني بطريق التنمية السلمية، ولن يسعى أبدا وراء الهيمنة أو التوسع الخارجي، ولن ينتزع مجال النفوذ من أي واحد، ولن يفصل الصفوف بناء على ما تتبناه من قيم، ولن يثير المجابهة الأيديولوجية، ويعارض جمع «عصابات أو دوائر صغيرة»، بل إن تلتزم وتطبق التعددية الحقيقية، ويصون بثبات المنظومة الدولية التي تكون الأمم المتحدة مركزها، والنظام الدولي القائم على القانون الدولي، ومنظومة التجارة الدولية التي تكون منظمة التجارة العالمية مركزها، ويدفع بناء النمط الجديد من العلاقات الدولية القائمة على الاحترام المتبادل والإنصاف والعدالة والتعاون والكسب المشترك.
كما أنه يتمسك بإعلاء القيم المشتركة لجميع البشرية، والمتمثلة في السلام والتنمية والإنصاف والعدالة والديموقراطية والحرية، ويدفع بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية للعمل مع كل دول العالم على بناء عالم يتسم بالسلام الدائم والأمن الشامل والازدهار المشترك والانفتاح والتسامح والنظافة والجمال.
يقول مثل صيني: «يجب أن تنمو جميع الكائنات الحية في وئام دون الإضرار ببعضها البعض»، فازدهار الحضارات وتقدم البشرية لابد من السعي إلى الأرضية المشتركة مع الاعتراف بالخلافات، ولابد من الانفتاح والتسامح والتواصل بين الحضارات والاستفادة المتبادلة، ولذلك يحرص الحزب الشيوعي الصيني على إقامة علاقات الصداقة مع الآخرين، وتبادل الاحترام للنظم والطرق التنموية لهم، والعمل يدا بيد مع شعوب العالم على بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية حتى يصبح العالم أفضل.
يصادف العام الحالي أيضا الذكرى الـ50 لتأسيس العلاقات الديبلوماسية بين الصين والكويت. ورغم أنه طرأت على الصين والكويت كلتيهما تغيرات هائلة، لكن الصداقة العميقة والوطيدة بين شعبي البلدين لم تتغير، والمساعي المشتركة للبلدين وراء السلام والتنمية والازدهار لم تتغير.
أطلق الشعب الصيني بقيادة الحزب الشيوعي الصيني المسيرة الجديدة لبناء دولة اشتراكية حديثة على نحو شامل، بينما يدفع الشعب الكويتي بقيادة صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد وسمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد لتنفيذ «رؤية الكويت 2035» وبناء دولة أكثر ازدهارا وتطورا.
إننا على يقين بأن الصين والكويت، وباسترشاد أهدافهما المشتركة نحو تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية وزيادة رفاهية الشعب، ستوارثان الصداقة التقليدية المتميزة بالدعم المتبادل والتعاون الكثيف منذ خمسة عقود، وستسيران بخطوات ثابتة في الطريق التنموي نحو آفاق أرحب، بما يخدم البلدين والشعبين.
إن فهم الصين ليس بشيء صعب. ولطالما أن الناس لا يرتدون نظارات ملونة من الأيديولوجية، تعيقهم عن رؤية الأشياء على حقيقتها وبألوانها الطبيعية، ويتبنون روح المساواة والاحترام المتبادل، فيمكنهم حينها فهم الحزب الشيوعي الصيني بشكل صحيح ودقيق من خلال التاريخ والواقع، ثم تباعا فهم الصين بشكل أعمق.
إننا نرحب بالأصدقاء الكويتيين من مختلف الأوساط لزيارة الصين والتجول فيها ورؤيتها بعيونهم إذا أتيحت الفرصة، وذلك لفهم الحزب الشيوعي الصيني الحقيقي والصين الحقيقية بشكل أكثر.