كان لحاتم بن الأصم أولاد ذكور وإناث، ولم يكن يملك شيئا من المال وقال لأولاده: إني أريد الحج هذا العام فبكوا، وقالوا: إلى من تكلنا يا أبانا؟ فقالت إحدى بناته: كفوا عن البكاء ودعوا أبانا يحج، فليس هو برازق (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين).
نام الأطفال جياعا وجعلوا يلومون أختهم، فقالت: اللهم لا تخجلني معهم، فمر أمير البلاد بهذا المكان وطلب ماء فناوله أحدهم كوزا جديدا وفيه ماء بارد فشرب الأمير وسأل: دار مَن هذه؟ قال: دار حاتم بن الأصم. فرمى الأمير قطعة من ذهب، وقال لأصحابه: من أحبني فعل مثلي، فرموا كلهم مثله.
فبكت بنت حاتم الأصم فقالت لها أمها: ما يبكيك وقد وسع الله علينا؟ فقالت يا أماه، مخلوق نظر إلينا فاستغنينا وشكرنا، فما ظنك بالله جل وعلا لو نظر إلينا لا يكلنا إلى أحد طرفة عين، اللهم انظر إلى أبينا ودبِّر له أحسن تدبير.
وخرج أبوها للحج ولما رجع تلقاه أولاده فعانق الصبية الصغيرة وبكى ثم قال: «صغار قوم كبــار قـوم آخـريـن وإن الله لا ينظر إلى أكبركم ولكن ينظر إلى أعرفكم به فعليكم بمعرفته والاتكال عليه، فإنه من توكل على الله فهو حسبه».