عادة لا أبحث عن موضوع لمقال جديد، فإما يفرض الموضوع نفسه أو لا أتكلف في البحث، ولكن يبدو أن كثرة الأحداث والمحدثات هذه الأيام تجعل الإنسان في حيرة تفضيلية، بأي المواضيع يبدأ، أو أي المواضيع يقدم على غيره من حيث الأهمية والموضوعية.
> > >
بينما أنا جالس في مكتبي (صومعتي الخاصة) أقلب الأبصار والأفكار والمواضيع، وأتجول في أرجاء المكان في حالة بحث غير موضوعي، وإذ ببصري يقع على أحد الكتب في مكتبتي وهو كتاب «الكوميديا السياسية» للأستاذ خليل أحمد خليل، فتعلق بصري كثيرا بهذا الكتاب وأيقنت أنني وجدت ضالتي بعنوانه الذي أعتقد أنه سيكون توصيفا حقيقيا ومستحقا للكثير من المشاهد في الحالة السياسية الكويتية.
> > >
لا شك أن كل مشهد حي يحتوي على عناصر متحركة أهمها الإنسان والزمان والمكان سيكون عرضة للخطأ والصواب والسلب والإيجاب، وحتما لابد أن يكون متقلبا بين الجد والهزل والاكشن والدراما والكوميديا وكل شأن من شؤون الحياة، لاسيما الشأن السياسي القابل لهذه المراحل المتأرجحة.
> > >
طبعا أنا أفصل بين الحياة السياسية والديموقراطية الحقيقية ومؤيديها ورافضيها (حكوميا وشعبيا)، وبين المحاولات الخجولة للوصول لهذه الحياة أو مقاربتها ومحاكاتها، كما أنني أستطيع التمييز بين الثقافة السياسية والثقافة الانتخابية ولكنني مضطر واقعيا للتعامل مع الواقع الثقافي الحقيقي للشعب بكل سلبياته وإيجابياته محاولا ترسيخ وتكريس إيجابياته ومحاربة أو تقويم ما أرى به من سلبيات، بقدر ما يسعني ذلك.
> > >
في كل مناسبة وفرصة سانحة ومن خلال معركة الوعي أجدني ملزما بالتذكير بعدة مضامين ومفاهيم مهمة ومحاولة حث جميع الأطراف على التحلي بالحدود السياسية الدنيا والممارسة الديموقراطية اللائقة وعدم تكرار أخطاء الماضي على اقل تقدير، سواء الأخطاء المتعمدة أو غير المتعمدة.
لأننا بكل موقف جاد ذي منعطفات تاريخية خطيرة تتعلق ببقاء وبناء مستقبل الوطن نجد من يمارس «الكوميديا السوداء» التي لا يعلم ممارسها ومشاهدها إلى أين ستتجه بنا أو ما هي نتائجها وعواقبها.
وأنا لا أحمل جهة دون أخرى مسؤولية هذه العبثية المنهجية و(الممنهجة) أحيانا، بل إن الجميع متساوون بها إلى حد بعيد، سواء حكومات أو ناخبون أو مرشحون ونواب.
> > >
فمن ناحية الحكومات السابقة، فعلى سبيل المثال لا الحصر يعتبر تعليق الدستور والأخطاء الإجرائية والعبث بمقدرات الشعب «كوميديا سوداء».
ومن ناحية الشعب (وممثليه) فهم أعضاء أساسيون في مسرح «الكوميديا السوداء».
ومن أبرز ممارساتهم الكوميدية: الفزعات القبلية والنخوات العشائرية من خلال العمل السياسي والانتخابي الديموقراطي (سواء أسموها فرعيات وتشاوريات أو غير ذلك) وكذلك التنادي والتداعي الطائفي في ظل مجتمع مدني (مفترض)، وثالثة الأثافي الفرز الطبقي والفئوي المؤدي إلى تقسيم المجتمع.
> > >
من المؤسف أن كل ما ذكرت هي ممارسات إثنية خطيرة جدا لأنها بكل تأكيد ووضوح تشير إلى حقيقة كارثية واحدة مفادها أن الاحتماء بالقبيلة والطائفة والطبقة والفئة هو الملاذ الحقيقي في أذهان هؤلاء، وهذا اعتقاد كارثي يضرب فكرة الدولة بالصميم.
> > >
هذه ليست نظرة «سوداوية» كما يعتقد البعض، بل هي نظرة «سيداوية» وكلمة سيداوية هي تصريف خاص لكلمة «سيده». ومعناها لغير الناطقين باللهجة الكويتية هو: الاتجاه بشكل مستقيم وعندما نتجه بشكل مستقيم ومباشر لمكمن العلة فإننا نكون اقرب للتشخيص الأدق الذي قد يوفر لنا العلاج الأمثل.
hammad_alnomsy@
[email protected]