موجات وسلالات متلاحقة أربكت العالم وسط صراع غير مسبوق بين النجاة من الجائحة والمجابهة لها لوقف الانتشار، فما ان يمسي العالم على بصيص نور في الأفق يصبح على معلومات مفزعة تبدد الآمال وتزيد الآلام، لكن أمام ما يحدث حاليا يجب أن نعي تماما بأن سلالات فيروس «كورونا» المتحورة ستستمر بلا نهاية والوباء سيستمر، وبالتالي مطلوب التعايش، فمن غير المعقول والمنطقي أنه مع كل تحور أن يغلق العالم وتتوقف الحياة.
الآن العالم أصبح أكثر قدرة على التعايش واستمرار الحياة، خصوصا أن الأمر يحتاج احترازات صحية وعناية وتغير نمط وسلوك الحياة الفوضوية لا أكثر.
علينا أن نستخلص العبر من الصين التي كانت مصدر الوباء وتمكنت من تطويع الأزمة من جائحة مهلكة إلى بزنس اقتصادي حسنت به دخلها القومي.
فبالرغم من ان الصين كانت منبع الجائحة أواخر العام 2019 الا انها تمكنت من استيعاب التداعيات، وحولت الأزمة الى مكاسب، فقد صدرت الصين أكثر من 220 مليار كمامة في 2020، وفق ما أفادت وزارة التجارة أي ما يعادل 40 كمامة لكل شخص خارج الصين في ظل ارتفاع الطلب على المعدات الواقية بشكل كبير جراء تفشي كوفيد-19.
وتفاخرت الصين في ظل تلك الجائحة بكفاءتها الصناعية رغم خضوع القوى الاقتصادية العالمية لتأثيرات الجائحة، ولم تكن الكمامات فقط هي سلعة التصدير الوحيدة، بل صدرت الصين 2.3 مليار قطعة من معدات الوقاية ومليار وحدة من معدات فحص كوفيد-19 العام الماضي «في مساهمة مهمة في المعركة العالمية ضد الوباء».
وقد أظهرت احصائية الجمارك الصينية أن قيمة شحنات الكمامات وحدها بلغت 340 مليار يوان بما يعادل 52.6 مليار دولار.
فهل نتعظ من الدول الكبرى التي حولت الأزمة إلى فرص استثمارية، إلى متى سيكون الشرق الأوسط حقل تجارب وعرضة لحالات هلع مبالغ فيها ؟.
الحقيقة الثابتة بعد عامين من الجائحة أن فيروس كورونا اللعين سيبقى متحورا يلد متحورا، فهل مع كل متحور العالم سيأخذون لقاحا جديدا، كثرة اللقاحات قد تكون هي الأخطر أكثر من الفيروس، لذلك مطلوب قليل من الحصافة والعناية والاحترازات الصحية، فالوقاية خير من العلاج لأن أوميكرون لن يكون الأخير، فالقادم مجهول خصوصا في ظل جنوح دول كبرى إلى استخدام هذا الفيروس للتأثير على أسعار النفط وإرباك اقتصادات ومصالح العالم ما يثير علامة استفهام.
فيها عبر كثيرة ودروس مستفادة، هناك أغلقت دول ابوابها لحماية شعوبها وارتضت بانهيار اقتصاداتها، وفي الجانب الآخر عملت الدول العظمى كعادتها على الاستفادة من الكارثة بتصنيع اللقاح المضاد للفيروس وتعويض خسائرها. ألم يحن بعد ان تتكفل الدول الغنية المصنعة للقاحات بتحمل تكلفة الدول الفقيرة، ألا توجد لديكم عدالة اجتماعية، ألم يعترف العالم جميعا بأنه وباء، أين أنتم يا رافعو شعار العدل وحقوق الانسان، أليس العلاج من أدنى حقوق البشر؟.. أفيقوا يرحمكم الله.
وفي الجانب الخفي للفيروس اللعين كان للسياسة الدور القوي خلال أزمة التي لم ولن يعرف العالم تاريخ انتهائه، فتسابقت دول كبيرة على إعادة هيكلة قواتها العسكرية والاقتصادية والسياسية، وها نحن البسطاء ينتابنا الكثير من الشك في ظل السباقات المحمومة لتصنيع اللقاح بأنها أزمة مفتعلة لجني شركات الأدوية مليارات الدولارات، نعم هذا تفكير معظم الناس، نعم لم نعد نصدق التحورات المشبوهة التي أتعبتنا وأرهقت تفكيرنا، معظمنا تعايش مع الأمر ببساطة، والبعض الآخر لديه تخوفات من سرعة انتشار المتحور الجديد، دول مثل المغرب واليابان وكندا وإسرائيل اتخذت قرارات سريعة للغلق الكامل، ودول أخرى تفكر جديا في اتخاذ قرارات مماثلة، فالمتحور حيرنا وأثر على شعوب العالم نفسيا لدرجة أنه شل قدرة البشر على التفكير في تفسير ما يحدث، والتي حتما فيها سر عظيم، وسيكشف القادم من الأيام هذه التلاعبات والمبالغات لإحداث أثر محدد.